الخميس، 18 يونيو 2015

الافق المسدود: صراعات المنطقة والحلول المؤجلة #حسين_نورالدين @HuseinNourdin





كتب حسين نورالدين

انها لحظة الحقيقة لا بد من المصارحة بها، ليس من موقع الهزيمة او النصر، بل من موقع تقييم الموقف .
تستتب في المنطقة يوما بعد اخر ملامح التقسيم، هو مخاض جديد على اعلى مستوى منذ اتفاقية سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا لتقاسم مناطق السلطنة العثمانية .
نظرة الى سوريا والعراق تظهر قيام كيانات دون اسماء فعلية الى اليوم . "الدولة الاسلامية" تبسط سيطرتها على مرأى من العالم من تدمر الى الموصل . هي منذ سنة تقريبا تقيم عاصمة في ثاني اكبر مدن العراق . هي مستقرة وتعمل بشكل اقرب الى الطبيعي لا بل وتوسعت الى الرمادي وبيجي ومناطق الانبار عموما وصلاح الدين والرقة وتدمر وريف دير الزور وريف حلب الشمالي في سوريا . هي تسيطر على ابار النفط وطرق المواصلات امام اعين تحالف دولي اعلن عداءه للتنظيم .
التنظيم رغم العداء الذي يواجهه يقاتل على اكثر من جبهة ويربح في بعضها ويخسر في اخرى . الا انه مستمر بالحياة والنمو واستقطاب المقاتلين من العالم اجمع.
نمو الدولة الاسلامية
ليس ما يظهر ان المد البشري سيضمحل امام فكرة الخلافة الاسلامية التي يطرحها ابو بكر البغدادي . 
بالمقابل يقف الجيش العراقي والحشد الشعبي وحلفاؤهما موقف المريد لكن المغلول. حققت القوات العراقية مدعومة من ايران انجازا في امرلي العراقية . اقترب داعش من الحدود الايرانية فكان الرد الفعلي. في تكريت استطاع الجيش العراقي دخول المدينة لكن مسلحي داعش انكفأوا الى مناطق اخرى وهاجموا مصفاة بيجي الاكبر في العراق ولم يبقوا على شيء منها . ومع ذلك بقي برميل النفط على تذبذبه ولم يقفز كما كان يفعل قبل سنوات بفعل مثل هذه الاحداث. ورغم هذين الانجازين فان داعش قاتل في الرمادي وربحها وهاجم في حديثة ويهاجم يوميا في الكوير وجنوب كركوك وفي شمال غرب العراق .
يطرح الاميركيون تسليح العشائر السنية واقامة اقليم سني في العراق لتحقيق خطة جون بولتون . ليصبح العراق بفهم الادارة الاميركية : شيعيا في الوسط والجنوب ، سنيا في الغرب وشمال بغداد، كرديا في الشمال .
في سوريا تضمحل رقعة سيطرة الجيش السوري . يخسر مناطق واسعة في ادلب وجسر الشغور واريحا وغيرها لصالح جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام، كما تخسر الجبهة مناطق لصالح " الدولة الاسلامية" . يسيطر الجيش السوري على جبال وعرة في القلمون على الحدود مع لبنان غير مأهولة بالسكان فيقتطع داعش والنصرة مدنا كبرى بكل مخازن السلاح فيها ويغنمون من الصواريخ ما لم يتوقعوا .
سقطت تدمر . سقطت ادلب . جسر الشغور . اريحا . هجمات في حلب . هجمات في الجنوب . انظروا الى الخريطة السورية والسيطرات فيها . المنطقة الساحلية بعمق يتاخم حمص وصولا الى الخط الرابط بالعاصمة دمشق هو بيد الجيش السوري . القوات تسحب لتحمي هذه المناطق .فيما تخلى مناطق اخرى تحت ضغط الهجمات المدعومة من تركيا والسعودية وقطر والاردن .
استغلال الازمة
يهاجم التحالف الاميركي في دير الزور وفق معلومات القيادي التونسي في داعش ابو سياف . يضرب في الرقة لمحاولة تحرير رهائن له . يضرب اهدافا يقول انها لداعش . ويظهر بضع مركبات تدمر عبر تصوير حراري لا ندري اين هو او ماذا استهدف. كل هذا والاستخبارات الاميركية والاقمار الصناعية عاجزة عن تحديد البغدادي او مراكز القيادة الاساسية لتنظيم يسيطر على نحو 220 الف كيلومتر مربع من الاراضي ويدير تجارة بملايين الدولارات من بيع النفط عبر تركيا الى تركيا واروربا.
تنمو الحركة الكردية . اقليم كردستان في افضل احواله . هو يفاوض بغداد على عائدات النفط . ويسيطر على ابار كركوك بدعوى صد داعش . يرسل قوات الى عين العرب في سوريا عبر تركيا . يوسع الكرد نفوذهم بدعم اميركي . يطلبون من واشنطن الدولة . في سوريا ايضا وعلى الرغم من اختلاف الحال . الا ان الحركة الكردية متمثلة بوحدات حماية الشعب تسيطر على اجزاء واسعة من الحسكة شرقا ومن ريف الرقة شمالا واخيرا على معبر تل ابيض مع تركيا . وتسيطر على عفرين بريف حلب الشمالي وتقيم ما تسميه الادارة الذاتية .
الى جنوب سوريا حيث نشط اليوم الحديث عن دور جبل العرب في الصراع الدائر على الارض . رفض النظام السوري تسليح الدروز منذ بداية الازمة . وهم لم يريدوا ان يقاتلوا الى جانب النظام . بل التزموا حماية مناطقهم . تبرز الدعوات من الدروز في اسرائيل . هم انشأوا مشفى ميدانيا لاستقبال الاصابات واعلنوا الاستعداد لنصرة أبناء طائفتهم، وايا كان موقف الدروز في السويداء اليوم فإن هذا الموقف رهن بمن يسيطر على الارض ويضمن البقاء لهذه الجماعة بدون اي انتقاص من قيمتها التاريخية الوطنية . هي حرب بقاء ووجود .
ماذا تعني كل هذه المقدمة ؟
ان تركيا لن تقبل بواقع كردي على غرار ما تقدم وستلجأ الى سياسات قد تصل الى قضم المناطق الكردية السهلة الهضم، وخصوصا في سوريا . اسرائيل في الجنوب ستعمل على التوسع عبر قضم السويداء وضمها، العراق يتقسم الى اقاليم بما تبقى، سوريا بما تبقى منها تتقسم بواقعية دولية واقليمية.
الازمات القائمة الاخرى: اليمن وليبيا ومصر بشكل اساس
تعم الفوضى اليمن اليوم، فشل مؤتمر جنيف واضح، التصعيد سعوديا بالغارات جلي، بمقابله سيستمر الحوثيون بردهم الخجول على المواقع السعودية العسكرية. امام هذا الطرف الاخير خيار التقدم الى عسير وجيزان والسيطرة عليهما على نمط حرب العصابات او الاكتفاء بالرد الحالي .
في حال جرى التقدم الى المدن السعودية فان الحرب ستتوسع وسيجد داعش والقاعدة مساحة واسعة لهما للتوسع وملء الفراغ وصد الهجوم "الرافضي". وخلال هذه العملية لن تبقى التنظيمات الجهادية في المنطقة الحدودية بل ستتوسع ولا تعرف حدود هذا التوسع .
في ليبيا ها هي بوادر الدولة الاسلامية تلوح في الافق .منطقة خصبة بعد سقوط القذافي على يد حلف شمال الاطلسي. التنظيم سيطر على سرت وعلى موانئ نفطية ويخوض قتالا ضد فجر ليبيا التي احتضنته في طرابلس . هو يقتل مصريين وتشاديين على غرار ما فعل في العراق وسوريا . ويقتل من مسلحيه مصريون وسعوديون ويلتحق به جهاديون من مختلف الدول. تتخوف الحكومات المجاورة في تونس والجزائر ومصر. لكنها بيئة خصبة لامتصاص المؤامرات الاميركية وتوسع الارهاب فيها . ولا نغفل الجزائر الدولة التي صمدت بوجه الارهاب خلال التسعينات . ولكنها بقيت دون حل جذري ويسعى الغرب لاستبدال نظامها الاشتراكي بنظام اخر اكثر طواعية ويرتقب تبدل الرئاسة فيها .
 في هذا الصورة لا يلوح اي افق . برغم الدعم الايراني الكبير للنظامين العراقي والسوري وللحركة الثائرة في اليمن وللمقاومة اللبنانية الا ان هذه الاستراتيجيا اثبتت بطأها عن موكبة نمو التيار التكفيري. كل الجهد الايراني لم يتمكن من استدراج دعم روسي مباشر وواضح وعال في المنطقة بوجه الدعم الكلي الاميركي للسعودية في اليمن . كل ما يخطط يرد عليه بضربات اقوى . تستعيد تكريت فتسقط الرمادي . تقضم في القلمون السوري فتسقط ادلب. تحمي مطار الثعلة في السويداء لكن يسقط اللواء اثنين وخمسين بمخازنه .
تحافظ على صنعاء لكنك تعجز عن وضع خطة سياسية وانشاء حكومة ثورية تحكم عبر مخاطبة العالم ككل بأنها شرعية وتمثل الشعب . الركون الى الميدان وحده لا يعفي من ضرورة العمل الدبلوماسي الذكي والجاد.
الخلاصة
ان الاضطرابات المشار اليها لا يبدو في الافق انها ستلقى حلولا . كلها ازمات مفتوحة . هو مخاض فعلي لمنطقة جديدة ترسم، ستصاغ يوما ما في كتب التاريخ ببضعة اوراق تحكي عن تقسيم جديد على غرار سايكس بيكو بعرابين اخرين.
 هي حركة التاريخ الذي يشهد زوال دول ونشوء دول اخرى . علينا تقبل الامر بهذه الطريقة. قامت الدولة الاموية وورثتها الدولة العباسية وورثتها دولة المماليك التي انهزمت للدولة العثمانية فنشأت تركيا والدول الاخرى.

 هي مسيرة لا تقبل المقدس. من تمسك بالقديم اندثر وقتل ومن تحرك فرض ما امكنه او توسع او حافظ على بعض ما عنده. طبعا لن نكون مع داعش وقتلها. لكن المشروع المقابل لها لم ينضج بعد او انه في مرحلة المراهقة ولم يعرف بعد كيفية المواجهة . او انه لا يريد المواجهة طالما ان اطرافا ما لم تمسها النار بعد.

Al-Mayadeeen Feeds