الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

عن إيران...جمهورية الثورة ودولة الجمهورية... بقلم علي هاشم @alihashem_tv

خلال الأيام الماضية كانت إيران منشغلة بمناقشة الإتفاق النووي في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)...كانت النقاشات حادة لدرجة الصراخ والكلام الحاد، حتى أن أحد النواب نقل إلى المستشفى الملحق بالمجلس للعلاج بعد انهياره نتيجة عدم قدرة فريقه السياسي على منع التصديق على الإتفاق...خلال النقاش قال أحد النواب، ممازحا على حد تصويبه لاحقا، إنه سيدفن علي أكبر صالحي ومحمد جواد ظريف تحت مفاعل أراك، وفي اليوم التالي كان صالحي يزوره في المستشفى للاطمئنان على صحته...
إيران دولة اسلامية، لها نظام خاص بها، قد يعجب البعض وقد يستفز البعض الأخر، لكنها في إطار نظامها حرصت على ايجاد مساحات للاختلاف والتعبير، تتسع وتضيق بحسب الموضوع الذي يجري نقاشه، لكنها تترك مجالا لكل طرف ليقول لدي وجهة نظر وفكرة وموقف، لدي هامشا للاختلاف حتى وإن كان السائد غير ما أعتقد، حتى وإن كان ذلك الأمر يرتبط بالموقف من الملف النووي الذي هو واحد من أكثر الملفات حساسية...
لا شك أن هناك في ايران من لا يعجبه التوليفة الحاكمة بأسرها، باصلاحييها ومحافظيها، هؤلاء مثلا يعارضون نظام الحكم الإسلامي من جذوره وهم يعترضون على اقصائهم وتغييب صوتهم، لكنهم يدركون في مكان ما أن كل عقائدي يحكم يأتي بعقيدته لتكون دستورا لنظامه، فهو يكافح ويناضل ليحكم بطريقته، فكما أن الإسلامي لن يترك مجالا العلماني أن يؤثر على مسار حكمه كذلك العلماني لن يسمح الإسلامي بأن يدخل دائرة القرار...إنه صدام العقائد والاتجاهات، هكذا هي دول الغرب التي لا تقبل بأن يدخل الحظيرة إلا من كان من ذات العرقية الفكرية، أميركا يحكمها حزبان، الجمهوري والديمقراطي، حزب محافظ وحزب اصلاحي، كذلك بريطانيا وان اتسعت الدائرة قليلا، وعلى ذكر بريطانيا فمجرد كون زعيم حزب العمال الجديد جيرمي كوربين من غير العرق الفكري دفع برئيس الوزراء ديفيد كاميرون للقول انه يشكل خطرا على الأمن القومي....
الفارق بين نظام الحكم في بريطانيا وأميركا من جهة وايران من جهة ثانية، أن النظام هناك عمره مئات السنوات، كان جنينا وتعرض لمحاولات إجهاض عديدة ،عبر حروب أهلية وتحديات خارجية وداخلية، وتمكن في نهاية المطاف من أن يكبر ويتعلم ويتطور وينضج....
جنين النظام في ايران تعرض لمحاولات إجهاض عديدة خلال ال 35 عاما الماضية، لا يكاد يمر عام دون محاولة، لكنه نجح في قطعها كلها، وهو اليوم في مرحلة جديدة، مرحلة الولوج من جمهورية الثورة إلى  دولة الجمهورية، هذا التطور تبدى في معالجتها للملف النووي، في تعاطيها مع مصالحها في المنطقة، في تشخيصها للمخاطر على أمنها الإقليمي والقومي...
في سوريا والعراق واليمن وفلسطين وأفغانستان ولبنان، أدوار عديدة تلعبها ايران مباشرة أو عبر منظومة حلفائها التي لا تزال حتى اللحظة متأثرة بجمهورية الثورة بشكل كامل، لذا يشعر المراقب بنوع من الفصام في السياسة الإيرانية بين الفعل والقول، الحقيقة أن التحول ليس سهلا ويتطلب وقتا، والوقت في أيامنا هذه ثمنه يدفع بالدماء لا بالمال، لذا تجد ضباط الصف الأول الإيرانيين يقاتلون على الجبهات الأمامية، مهما كان التقييم لواقع التدخل الإيراني فهذا يحمل على الاحترام والتقدير، إذ أن هؤلاء يقطعون آلاف الأميال ليخدموا مصلحة بلادهم باللحم الحي لكي يبقى البرلمان في طهران يناقش ويختلف ويتفق، لكي تبقى الجمهورية التي صنعتها الثورة والدولة التي أرستها الجمهورية، لكي لا يضطر بقية الجيش للحرب على أرضه....بينما من يقف على الجانب الأخر أقصى ما يفعله إرسال المال والتصريحات الإعلامية نصرة للقضية التي يتبناها....في القياس وهنا يجوز القياس، لا مجال للقياس...
لا شك أن الصراع الخليجي الإيراني، وتحديدا السعودي الإيراني، يأخذ أبعادا جديدة كل يوم، وهو خرج من دائرة الصراع على المصالح إلى العداء المباشر، وهذا أخطر ما فيه...فمثلا في مأساة التدافع في منى ذهب البلدان في مستوى التراشق الكلامي إلى حافة الهاوية، إيران تتهم السعودية بالمسؤولية المباشرة وحتى بالتواطؤ حينا بينما السعودية تروج بشكل غير مباشر لمسؤولية الحجاج الايرانيين عن الكارثة...النتيجة أن الخلاف بين البلدين كبير إلى حد أن وفاة مئات الأشخاص لم يفتح كوة في الجدار إنما رفع المزيد من الجدران....
هنا مثلا تبدو هذه الملفات عالقة في المنطقة المشتركة بين جمهورية الثورة ودولة الجمهورية ويغلب أكثر الطابع الانفعالي على المواقف منها، لذا مثلا يخرج المرشد ليحدد إطار الخلاف ويرسم خطوط الاشتباك...ليس هنا فقط إنما في معظم القضايا الكبرى يلعب المرشد هذا الدور وليا لأمر الجمهورية الشابة، ضابط ايقاعها، لاجم جموحها متى اقتضى الجموح اللجم، ومطلق اجنحتها حين تسمح الظروف بالطيران...

Al-Mayadeeen Feeds