الثلاثاء، 15 ديسمبر 2015

إيران والعرب والتمنيات

إيران، الجمهورية الإسلامية، وقبل ذلك الإمبراطورية البهلوية والسلالات القجارية والزندية والأفشارية والصفوية والساسانية، واللائحة تطول إلى ما قبل ولادة المسيح بقرون، هذه البلاد بلاد قائمة على أسس دولة عميقة يصعب الوصول إلى جذرها الأول ولذا فهي بغض النظر عن النظام الذي يحكمها، أو شكل الحكم المتبع فيها، تعيش حالة المؤسسات بكل تفاصيلها، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الأمن وهذا ما يفتح الباب للحديث عن الخطأ الثاني.

إيران بلاد قائمة على أسس دولة عميقة يصعب الوصول إلى جذرها الأول

إيران تبحث عن مرشد جديد، هكذا كتبت صحف ومواقع عربية بعد وقت قليل من مقابلة رئيس هيئة تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني مع وكالة الأنباء العمالية "إيلنا". بل إن وسيلة إعلام ذهبت أبعد من ذلك بكثير وكتبت "إيران تدرس استبدال المرشد الأعلى" وهو ما نقلته عنها مجموعة كبيرة من المواقع والقنوات الأخرى. لا شك في أن الخبر جاذب، وهو لمن يرون في إيران خصماً أو عدواً، محل احتفال. هؤلاء يبنون على المعطى الصحافي وينطلقون في رسم سيناريوهات وكتابة تحليلات ورسم سياسات، بينما في طهران ابتسامات صفراء وترداد مقولة لنابليون بونابرت الشهيرة "لا تقاطع خصمك بينما يرتكب الأخطاء".

الخطأ الأول الذي يرتكبه هؤلاء هو القياس مع بلدانهم حيث لا يجوز القياس، بإجماع الخبراء. إيران، الجمهورية الإسلامية، و قبل ذلك الإمبراطورية البهلوية والسلالات القجارية والزندية والأفشارية والصفوية والساسانية، واللائحة تطول إلى ما قبل ولادة المسيح بقرون، هذه البلاد بغض النظر عن تقييم كل طرف أو شخص لها، هي بلاد قائمة على أسس دولة عميقة يصعب الوصول إلى جذرها الأول ولذا فهي بغض النظر عن النظام الذي يحكمها، أو شكل الحكم المتبع فيها، تعيش حالة المؤسسات بكل تفاصيلها، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الأمن وهذا ما يفتح الباب للحديث عن الخطأ الثاني.

في إيران مجالس متعددة كل منها منوطة بمسؤولية محددة، مجلس الشورى الإسلامي ومجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس صيانة الدستور، وأخيراً وليس آخر مجلس خبراء القيادة، وهنا بيت القصيد. مجلس الخبراء هو المسؤول عن انتخاب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو اليوم على عتبة انتخابات ستجري خلال شباط/ فبراير 2016 لاختيار الممثلين الجدد فيه الذين من المفترض أن يكونوا بمرتبة آيات الله، أي رجال دين من المستوى الأول، هؤلاء مهمتهم إلى جانب اختيار المرشد أو مجلس القيادة، بحسب الدستور الإيراني، إجراء الدراسات المطلوبة من أجل التصدي لأي طارئ، وهذه الدراسات تتضمن بشكل دوري تحديث أسماء من يملكون الأهلية لتولي منصب القيادة في حال شغوره. في هذه الحالة فإن الخبراء مكلفون بالقيام بأسرع وقت بتعيين المرشد الجديد وإعلان ذلك وإلى أن يتم الأمر، يُشكَّل مجلس شورى مؤلف من رئيس الجمهورية، ورئيس السلطة القضائية، وأحد فقهاء مجلس صيانة الدستور يختاره مجمع تشخيص مصلحة النظام، ويتحمل هذا المجلس جميع مسؤوليات القيادة بشكل مؤقت.

الكلام هنا علمي، والكلام الذي خرج به رفسنجاني، الذي هو عضو في مجلس الخبراء، جاء في إطار شرح آليات عمل المجلس وخططه لا في الإطار الذي تمنى البعض أن يكون فيه. ومما قاله "طبعاً هم يعدّون ويبحثون وهناك مجموعة تدرس ملفات الأشخاص أصحاب الكفاءة ممن بالإمكان طرحهم على التصويت إذا حصل أي طارئ مستقبلاً، هذه هي وظيفة المجلس". لم يكن إذاً كلام الرئيس الإيراني الأسبق خارج السياق الطبيعي في بلد يكره المفاجآت، ويسعى في إطار مؤسساته لضمان استقرار الدولة بغض النظر عن أيِّ تغييرات، الأهم أنَّ في بلد كإيران يناقش موضوع كهذا في العلن وعلى صفحات المواقع والصحف، وقد يزعج البعض ويسعد البعض الآخر، لكنه مهما كان يبقى بعيداً جداً، وجدا من تحليلات متمناة.

ينطبق الأمر ذاته على ملفات أخرى مرتبطة بإيران وطريقة معالجتها في وسائل الإعلام العربية والغربية. وهنا يبرز ملف اللواء الإيراني قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، الذي وحتى اللحظة وبحسب "تقارير صحافية" بعضها معادٍ لإيران وبعضها الآخر موال لها، أًصيب وقتل عشرات المرات خلال الأعوام الثلاثة الماضية، حيناً في سوريا وحيناً آخر في العراق، بل وشوهد في اليمن وفي الوقت نفسه كان على متن بارجة في عرض البحر المتوسط. آخر صيحات الأخبار المتعلقة بسليماني كلام في البدء عن إصابته، ثم تأثير الإصابة على وجود القوات الإيرانية في سوريا، ثم ربط الإصابة المفترضة بتعيين اللواء غلام حسين غيب بور بديلاً لقائد لواء الإمام الحسين اللواء حسين همداني، الذي قضى في سوريا قبل أشهر قليلة، بينما الرجل بحسب مصادر مطلعة على رأس عمله حيثما هو، في إيران، أو العراق، أو سوريا، أو ربما على متن طائرة تقله عائداً من موسكو.

الواقع أن حادثة اللواء همداني وإعلان سقوطه من قبل الإيرانيين فوراً يمكن الاستفادة منها لفهم سياسة الإيرانيين في الإعلان عن أخبار رجالهم على الجبهة، هم لا ينتظرون أحداً ليعلن عنهم، يعلنون أي خبر يصل إليهم فور تبلغ أسر أصحاب العلاقة هذه الأخبار، بل إن من المفيد فهم تفاعل الإيرانيين من عائلات العسكريين الذين يذهبون إلى سوريا، سواء أعجبنا ذلك أم لم يعجبنا، هم لا يعتقدون أنهم هناك للدفاع عن أحد، إنما للدفاع عن أنفسهم، لذا فإن تشييعات الجنود الذين قضوا في سوريا لا تختلف عن تلك التي كانت تجري لأولئك الذين سقطوا خلال فترة الثمانينيات في الحرب الإيرانية العراقية، بل ربما نزيد من الشعر بيتاً، قبل أسبوعين أعلنت قوات التعبئة الإيرانية (البسيج) ان المتطوّعين (عمر ملازهي) و (سلمان برجسته) وهما من المسلمين السنة في إيران "استشهدا خلال دفاعهما عن الإسلام المحمدي الأصيل وخط المقاومة على أرض سوريا".

Al-Mayadeeen Feeds