السبت، 28 نوفمبر 2015

هدية بوتين لخامنئي: مصحف عثمان من قرطبة إلى طهران



حمل بوتين هديته الثمينة بصندوقها الأخضر التاريخي من مطار مهر آباد مباشرة إلى بيت المرشد وسط طهران ومعها حمل رسائل في أكثر من اتجاه.. رسائل لدول إسلامية مفادها أن مدخل روسيا إلى العالم الإسلامي سيكون عبر بوابة طهران.
منذ قرون وهذه النسخة ينظر إليها واحدة من النسخ الأصلية للقرآن العثماني.
منذ قرون وهذه النسخة ينظر إليها واحدة من النسخ الأصلية للقرآن العثماني.
لم تكن هدية عادية تلك التي قدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمرشد الإيراني آية الله علي خامنئي. النسخة طبق الأصل عن القرآن العثماني، ينسب إلى الخليفة الإسلامي الراشد الثالث، عثمان بن عفان، ويحمل آثاراً من دمائه على حد قول أحد أهم الباحثين العالميين في النسخ القرآنية القديمة، وهي نسخة تعود في التاريخ إلى زمن الإسلام الأول.

 دفعتني الحشرية للبحث عن تاريخ هذه المخطوطة، وبعد البحث ظهر أمامي إسم د. إيفيم رزفان، وهو بروفيسور روسي متخصص في الدراسات القرآنية ونائب مدير متحف الإنثروبولوجيا والإنثوغرافيا في بطرسبرغ في روسيا، وهو كتب سابقاً عن هذه النسخة النادرة من القرآن. أرسلت أسأله عن تاريخ هذه الهدية فرد عليّ عبر البريد الإلكتروني بعد دقائق قليلة وكتب ما يلي:
"منذ أواخر القرن الخامس عشر، تعتبر هذه النسخة القرآنية، واحدة من الأهم في العالم، كانت محفوظة في مجمع عشقيا الصوفي في قرية صغيرة تدعى كاتالانغار والتي تقع 100 كلم جنوبي سمرقند، ثاني أكبر مدن أوزبكستان. منذ قرون وهذه النسخة ينظر إليها كواحدة من النسخ الأصلية للقرآن العثماني، المكتوب بيد الخليفة الراشد الثالث وعليها قطرات من دمه".

أحالني البروفيسور رزفان، وتعريب إسمه رضوان، إلى دارسة كان كتبها في العام 2008 عن هذه النسخة وتاريخها، خريطةٌ حركتها منذ يوم خروجها من الحجاز بالقدر المتيقن إلى محل استقرارها في المتحف في روسيا في الزمن الحديث. وفي هذا الإطار كتب لي في رسالته: "تاريخ هذه النسخة يعود إلى 12 قرناً مضت وهو يختزل قصص أسر حاكمة وأمم ومدن وشعوب. هو عصارة الرواية التاريخية للحضارة الإسلامية، منذ انبثاقها في القرن السابع الميلادي في الجزيرة العربية، مروراً بمرحلة الإنتصارات والفتوحات الإسلامية، وصولا إلى يومنا هذا وقدرة المسلمين على الصمود والبقاء رغم النظام الشيوعي في الإتحاد السوفياتي السابق".

في دراسته المعنونة "القرآن والسلطة في روسيا" يقول رزفان إن معظم النسخ العثمانية تعرضت للتلف باستثناء القليل، ومن بينها هذه التي انتقلت إلى قرطبة في العام 870 ميلادي الموافق 256 للهجرة، ثم إختفت قبل أن تظهر في العام 1243 ميلادي لدى الظاهر بيبرس في مصر الذي أرسلها هدية إلى زعيم القبيلة الذهبية المغولي الذي اعتنق الإسلام وأعلن مبايعته للدولة العباسية وهو نفسه الذي تصدى لهولاكو وهزمه بالتعاون مع المماليك. بعد قرن ونصف هاجم تيمورلنك مغول القبيلة الذهبية وهزمهم وأخذ المصحف التاريخي رمز القوة وأتى به إلى سمرقند. لكن رواية أخرى تناقض رواية رزفان وهي رواية إبن نصير في كتاب "فضائل القرآن" والتي يقول فيها إن القرآن الذي كان في سمرقند جاء به تيمورلنك من البصرة، إلا أن الاثنان لا يختلفان في أن الكتاب هو من المصاحف الاولى والأكثر قدماً وذات أهمية تاريخية كبرى.
في وصفه للمصحف التاريخي يقول د. رزفان إنه "مكتوب على سبع وتسعين ورقة رق (وهو جلد الضأن الذي يعالج بطرق خاصة تسمح في ما بعد بالكتابة عليه) بالخط الحجازي تعود إلى القرن الأول الهجري، والأوراق موزعة على سان بطرسبرغ وكاتالانغار وبخارى وطشقند، تحتوي تقريبا على نصف النص القرآني".
عند هذا الحد، نضع نقطة على سطر التاريخ ونبدأ بقراءة الحاضر والمستقبل. لماذا جاء فلاديمير بوتين بنسخة من هذا الكنز الإسلامي وقدمها للمرشد الإيراني آية الله علي خامنئي؟
خلال السنوات الماضية لم تصل العلاقات الروسية الإيرانية إلى مستوى التحالف. إن نظرة تاريخية للعلاقة منذ انتصار الثورة الإسلامية وحتى سقوط الإتحاد السوفياتي كمرحلة أولى، ومنذ قيام روسيا الإتحادية وحتى الآن تشير إلى أن ما بين البلدين مصالح مشتركة تفرضها التحديات المشتركة والخصومات المشتركة. تعززت هذه المصالح في المفاوضات حول مشروع إيران النووي، وفي خضم المفاوضات ظهرت أزمة سوريا، وفي أوج الأزمة دخل الإيراني ثم الروسي على الخط، ليخرجا معاً من دائرة المصالح المشتركة فقط إلى مساحة الخندق الواحد.
في معركة الخندق الواحد ظهرت تباينات كبيرة إلى العلن، البعض عللها باختلاف الرؤى، آخرون قالوا إنها تعكس أهدافا مختلفة. كذلك هناك من لخص المشكلة بتصادم المفردات، دون أن ننفي حقا وجود هواجس بين البلدين تجعلهما في موقع السؤال عن كل خطوة يقوم بها الآخر.

هذه الهواجس حاول من يقفون في الخندق الآخر المناوئ للفريق الذي يضم إيران وروسيا الاستفادة منها للضرب تحت الحزام وفوقه مركزين على مستقبل هذا التعاون. لذا لم تبق صحيفة أو محلل أو سياسي إلا وتحدث وتوقع وحلل في مآلات التصادم المتوقع بين حلفاء سوريا على أرضها بسببها.

حمل بوتين هديته الثمينة بصندوقها الأخضر التاريخي من مطار مهر آباد مباشرة إلى خونه رهبر (بيت المرشد) وسط طهران ومعها حمل رسائل في أكثر من اتجاه، رسائل لدول إسلامية مفادها أن مدخل روسيا إلى العالم الإسلامي سيكون عبر بوابة طهران، وأن إيران وروسيا قبل قمة المصحف، ليسا كما بعدها.. ربما هناك المزيد من الرسائل، لكن هذا ما أمكن التيقن منه حتى اللحظة. 

Al-Mayadeeen Feeds