الاثنين، 29 أغسطس 2011

رأيي في ما يحدث في سوريا: بوم صادق، خير من ببغاء كاذب


كثيرة هي الأسئلة التي يواجهها احدنا لاسيما معشر الشأن العام، الكل يريد ان يعرف ما نخفيه وما نبطنه، املا إما بكسبنا على جانبه والإعتماد على ما نقوله سرا او علانية سلاحا في وجه الخصوم ممن يتمترسون على الجانب الأخر، واما برمينا على لائحة عار من نار وحجارة أعدت للمختلفين.
ما موقفك مما يحدث في سوريا؟ سؤال يطرح علي دوما من الأصدقاء والزملاء، في الشارع وفي المقهى، وفي كل مكان، حتى الأهل والاقارب يريدون إجابات واضحة في قضية مسجونة خلف ستار حديدي، لا يخرج منها إلا نصف الحقيقة التي يريد كل طرف أبرازها لذم خصمه، اكان الخصم نظاما ام ثورة.
مهمتي كصحافي ان انقل ما أراه، بغض النظر عما اعتقده او أؤمن به، مهمتي نقل الحقيقة والحقيقة فقط دون أي تلميع او تقريع. ربما بعد نقل الحقيقة، لي الحق في التحليل والتعليل والربط واعطاء خلفية عن الأحداث، هذا حق ما بعد الحقيقة، لكن قبلها لا حق لي ان أستشرف الواقع من خلفية ما لا أراه او ما أعتقد ان الجمهور يريد ان يراه، لأني غير معني برأي الجمهور في الحدث، لأني لست بصانع الحدث إنما ناقله حصرا. هنا أذكر ما وقع لي خلال تغطيتي الشأن الليبي، فحينا كنت استقبل من الناس بالإبتسامات والتهليل عندما أمشي في شوارع بنغازي بعد نقلي لأخبار مفرحة لهم عن تقدم الثوار على هذه الجبهة او تلك، وحينا أخر كنت افضل عدم النزول إلى الشارع لكثرة ما سأسمعه من لوم في حال نقلت عبر الأثير اخبارا سيئة عن الثوار كما حدث يوم سقطت أجدابيا وتراجع الثوار إلى بوابتها الشرقية.
اذكر اني يومها تعرضت للشتم في اكثر من مكان فقط لأني قلت ان كتائب القذافي هاجمت المدينة ودخلتها، البعض لا يريد ان يسمع الحقيقة، والبعض الأخر يريد ان نجملها لأنها ستضر بمعنويات الجماهير المنتظرة لأخبار مفرحة، حتى أني أذكر اني امام فندق تبيستي في بنغازي إلتقيت بأحد الأشخاص الذي قال لي انه كتب لي قصيدة وصفني فيها بطائر البوم، إبتسمت حينها وقلت له بكل تهذيب، بوم صادق، خير من ببغاء كاذب.
 


أعود إلى سوريا وما يحدث فيها، نعم هناك حمام دماء، وهناك قتلى وجرحى، هناك احياء تدك وبيوت تهدم، لكن هل هذه هي الصورة كلها؟ هل ما يحدث في سوريا يقتصر على مجازر يرتكبها النظام بشعبه ام ان للقصة بقية.
للقصة بقية، بقية لا يريد كثر ان يعترفوا بها، لكنها تظهر يوما بعد يوم، وستغدو اوضح بعد أيام او أسابيع قليلة، للقصة بقية على الجانبين، جانب النظام الذي يقدم منذ بدء الأزمة الوعود، والوعود والوعود، والناس تعيش كما يقول المثل الشامي، على الوعد يا كمون، وجانب الثوار الذين بينهم من من يحمل منذ بدء الأزمة السلاح، ومنهم من يقتل ومن ينفذ عمليات، ولهم في الثورة مآرب ليست لدى كثر ممن خرجوا هاتفين للحرية والديمقراطية والتغيير، ولدي على ذلك كثير أدلة.
رأيي قد يزعج البعض حينا وقد يفرح البعض الأخر حينا أخر، لكني أعلم اني في ختام مقالتي سأكون عرضة للقدح والذم من الجانبين، الجانب الذي يريد ان يقال ان الجيش السوري ملائكي إلهي، لا يظلم ولا يبطش ولا يرتكب الفظائع بشعبه، والجانب الذي يريد ان يقال عن الثورة انها سلمية حتى النخاع وان من فيها من ثوار ليسوا سوى طلاب حرية إنتفضوا على أربعين عام من الإستبداد البعثي الذي رفع البعض من أصحاب النجوم والنياشين إلى مراتب الألوهية لا أدنى.
برأيي في سوريا شعب يستحق الحياة، حرا أبيا، مقاوما ممانعا، في ظل دولة ديموقراطية تتداول فيها السلطة، كما هو المنطق في اي بلد في العالم، دولة تنظم إنتخابات برلمانية ورئاسية ويتنافس فيها اصحاب الأراء المختلفة، سوريا بصراحة تستحق أحزابا متعددة لا حزبا واحدا متسلطا قاهرا مستأثرا بالسلطة له ولمنتفعيه، سوريا بمن فيها من رجالات ونساء ممن اثروا العالم بفكرهم وإبداعاتهم تستحق ألا تكون عزبة لعائلة يتوارثها الأبناء عن الأباء.
لسوريا والسوريين كل الحق في ذلك، فالحرية كالماء والهواء، لا منة لأحد على الأخر بها، قدر إلهي، "  ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون".
لكن كيف السبيل إلى ذلك، كيف تنتقل سوريا إلى الضفة التي تجعل منها مثالا يحتذى كما قال وزير خارجيتها وليد المعلم في مؤتمر صحافي قبل حين. كيف يمكن للسوريين ان يعيشوا دون هاجس الإعتقال والقهر، كيف يمكن لفلان من السنة او الدروز او المسيحيين او العلويين في سوريا، ان يحلم بتولي الرئاسة او ان يكون وزيرا او نائبا دون ان يستدعى إلى فرع الأحلام في المخابرات السورية.
قد يقول قائل ان الإستمرار بهذا الشكل هو الحل، والضغط سيزداد على نظام بشار الأسد وشيئا فشيء سينهار، لكن ماذا عن اولئك الذين يمتطون الثورة للوصول إلى غاياتهم، المسلحين الذي لا يمكن لأحد ان يواجهني بنفي وجودهم لأني رأيتهم بأم العين يوم كنت في وادي خالد اغطي الأحداث، وهم في كل مكان في سوريا، شاء من شاء وأبى من أبى ولست في وارد مجاملة احد هنا.
نظام الرئيس بشار الأسد لن يستسلم، وسيستمر على هذا المنوال، وإمكانيات التدخل الدولي لمن يحلم به تبدو بعض الشيء بعيده بوجود معطيات مرتبطة بموقع سوريا على الحدود مع إسرائيل وما يعنيه ذلك من وجود هدف مشخص يمكن الرد عليه من قبل السوريين او حلفائهم في حال تعرضهم لهجوم، وإسرائيل كما ظهر من التوتر الأخير في غزة غير مستعدة للدخول في حرب جديدة بسبب فشل نظام القبة الفولاذية وثانيا لعدم وجود ما يمكن ان يجعلها تنهي حربا بغير النتيجة التي ألت إليها حرب 2006 مع حزب الله، مع العلم ان أي حرب مقبلة في هذا الإطار ستعطي مبررا لحرب إقليمية واسعة قد تجهض الحراك الشعبي السوري وتجهض معه أي امل بإصلاح ممكن.
وجهة نظر أخرى يسوقها فريق ثان تقول بأنه لا بد من تسليح الثورة السورية، وهنا عمليا الحديث عن توسيع نطاق التسلح لدى الثوار، بحيث يصبح الجميع حاملا للسلاح تماما كما كان الحال في ليبيا، وهذا بالمناسبة ما قد يريح النظام اكثر واكثر ويجعله رسميا في مواجهة مع تمرد مسلح واسع النطاق، وهذا ما من شأنه ان يحول الثورة في سوريا إلى حرب أهلية طائفية لن تبقي ولن تذر.
النظام بدوره يدافع عن وجهة نظره رافعا الحل الأمني شعارا لتحركه رافضا كل النصائح التي تسدى له من الأصدقاء قبل الخصوم، إنه الغرور القاتل الذي لا يفضي إلا لمزيد من الخراب، والخراب في سوريا يعني خراب المنطقة بأسرها، لكن النظام لا يريد ان يفهم ان الدم لا ينتج عنه سوى الدم وان الإصلاح لا يكون على جثث المواطنيين، اللهم إلا إذا كان الإصلاح سيكون بتغيير الشعب لا تغيير النظام.
يقول اهل النظام ان الشارع لا يعطي فرصة للإصلاح وان الإصلاح يحتاج لاستقرار كي ينجح، وكأن على من هم في الشارع على اختلاف خلفياتهم واهدافهم وارتباطاتهم وولاءاتهم ان ينتظروا النظام ليصلح، قطعا لا !!
فهم اساسا يريدون إسقاطه ويتحينون كل فرصة لإضعافه، وإن كان يريد ان يخرج بأقل خسائر من هذه الازمة، فعليه ان يسعى لذلك بأخذ أقصر الطرق إلى الإصلاح، بالإعلان عن خطوات عملية، بأن يشعر الناس بان هناك تغييرا حقيقيا في سلوك النظام تجاه شعبه، وبأن النظام هذا لم يعد كما كان، وان مرحلة إنتقالية على الأبواب، لماذا لا تشكل حكومة وحدة وطنية ترأسها شخصية تحمل هموم السوريين ممن في الشارع، ممن ذاقوا الويل في السجون، وممن يؤمنون بدور سوريا المحوري في المنطقة، من اولئك الذين لا إرتباطات مريبة لديهم، شخصية متزنة واعية تساعد في إخراج سوريا من النفق المظلم إلى الطريق الصحيح، مع فريق عمل من كافة الوان الطيف، يمكن الإعتماد عليهم في نسج دستور جديد للبلاد بعيدا عن نظام الحزب الواحد والصوت الواحد والعائلة الواحدة.
الحل اليوم بيد الرئيس بشار الاسد وليس بيد أي احد اخر، فكما هو دعم المقاومة التي وجدت لرفع الذل والقهر عن إخوانه في لبنان وفلسطين، عليه ان يعمد لرفع الظلم والقتل عن رقبة أبناء شعبه، لا لإنقاذ نظامه، إنما لإنقاذ ما هو اهم من أي نظام او حزب او شخص، المطلوب هو إنقاذ سوريا.
لن يسكت الشارع في سوريا بعد اليوم، والنظام لن يستسلم، وما بينهما اكثرية صامتة ترقب بخوف ووجل، ترقب بكثير من الألم، ترقب وهي تعلم انها دون شك حطب أي معركة قادمة، وتصلي بقرآنها وانجيلها، وتدعو في مساجدها وكنائسها بأن يحمي الله الشام من فتنة معروفة البداية مجهولة النهاية.

الأحد، 14 أغسطس 2011

مستشفى بنادر في مقديشو حيث الموت بلا بكاء


وماتت فاطمة امام اعين امها، امام عدسة الكاميرا، كفنها والدها، ولكن العجيب ان دمع الحزن لم يعد له في الصومال مكان...جفت المآقي لأن الحزن لم يعدحدثا، أضحى جزءا من يوميات الإنسان...

Al-Mayadeeen Feeds