الجمعة، 21 مايو 2010

دول الخليج والنووي الايراني : جزء من الحكاية


 

كتب حسين نورالدين                                                            

من الصعوبة بمكان مقاربة المواقف العربية بخصوص البرنامج النووي الايراني بعيدا عن دراسة كل التفاصيل التي تحيط بالعلاقة بين العرب وايران منذ ما قبل الثورة الاسلامية في عام 1979 وصولا الى احتلال العراق والعدوان الاسرائيلي على لبنان في عام 2006 .

وصلت ايران في عهد الشاه الى خامس اقوى قوة في العالم فرضت على العرب تهيبها ، وهي استطاعت منذ تلك الفترة استقطاب الرعاية الالمانية لاطلاق اول محطة نووية في بوشهر بمساعدة المانية عام 1974 .

لم توضح ايران في تلك الفترة للعرب الدواعي لاطلاق برنامجها النووي ، او بالاحرى هي لم تحتج الى ذلك ، فقد كانت خط التماس الاول الموالي للغرب على حدود الاتحاد السوفياتي ، وكذلك كانت المملكة العربية السعودية . لم تستفز المحطة النووية ائنذاك النظام في السعودية ولم تثر المواقف العربية من "شرطي الخليج" المدعوم من الولايات المتحدة ، حتى عرفت سياسة الرئيس ريتشارد نيكسون ابان الحرب الباردة  بسياسة القطبين المتساندين "ايران والسعودية" ، بمواجهة الحركات اليسارية والمد الروسي في المنطقة المتمثل بمصر واليمن والعراق .

وبالفعل فقد ارسلت السعودية جيوشا الى اليمن لمواجهة الحركات اليسارية المدعومة من مصر وارسلت ايران قوات الى سلطنة عمان لقتال مجموعات يسارية في اقليم ظفار .

 
     ليس من موقف عربي واضح من البرنامج النووي الايراني
ما ان انتصرت الثورة الاسلامية في ايران بقيادة اية الله الخميني حتى سارع العرب الى دعم الحرب العراقية على ايران بعد تصريحات عديدة لقادة ايرانيين بضرورة تحرك الشعوب العربية لنيل حقوقها على غرار ما فعل الشعب الايراني ، وهو ما اعتبرته الانظمة العربية دعوة الى تصدير الثورة التي قد تطيح بالانظمة كلها.

استمرت الحرب ثماني سنوات تكبدت فيها ايران الخسائر الفادحة ولا شك تركت لديها موقفا قويا من العرب لعله لم يظهر يوما في العلن الا انه يبقى بالتأكيد في كل الحسابات السياسية والامنية والاقتصادية .

استطاعت ايران بعد  الحرب العراقية ان تبدأ ببناء نموذج جديد في المنطقة ، تطور على مستوى التمثيل السياسي الشعبي بالرغم من كل ما يقال ، وهو ما خلق حذرا عربيا منها وخصوصا في منطقة الخليج ، حيث لا تملك الا الكويت والبحرين نظاما فيه تمثيل برلماني للشعب . الى هذا استطاعت ايران الحفاظ على علاقات جيدة مع تركيا، فهما تتقاطعان على رفض قيام دولة كردية على حدودهما ، وهو ما تبلور بحملة عسكرية مشتركة على حزب العمال الكردستاني في العام 2007 مع ما سبق  ذلك من تعاون استخباري على هذا الصعيد  وعمليات امنية على الحدود الايرانية التركية وخارجها وليست عملية مقهى ميكانوس في المانيا الا احد تجلياتها  في الثمانينات حيث قتل اثنين من القادة الاكراد . اما على الصعيد الاقتصادي فان النهج الذي اعتمدته تركيا منذ اعلان الجمهورية فيها عام 1923 بشعار السلم في الوطن والسلم في العالم استطاع ان يجعل منها قوة اقتصادية طامحة الى دخول الاتحاد الاوروبي ، ومنفتحة على تعزيز العلاقات التجارية مع جوارها وهو ما دفع التبادلات الايرانية التركية صعودا وعلى نحو مطرد .

ووصولا الى احتلال العراق عام 2003 ، فقد اتهمت عدد من الدول العربية ايران بتغاضيها عن ذلك ، في وقت اعلنت فيه السعودية ومصر علنا تاييدهما لغزو العراق .

بالتأكيد لا يمكن المرور مرور الكرام على الموقف الايراني ، فالخليج ومنذ احتلال الكويت اضحى ميناء للاساطيل الاميركية والقواعد الاميركية في السعودية والكويت وقطر وغيرها تواجة الضفة الشرقية الايرانية للخليج الفارسي .

وبالرغم من تأييد المملكة العربية السعودية ومصر لغزو العراق ، وهو ما اوجد حشدا عسكريا اميركيا كبيرا بالقرب من ايران ، فان النتائج لم تأت كما كان متوقعا.

 
ان كانت اسرائيل تمتلك بفعل القوة قنابل نووية فليس مسموح تكرار ذلك مع ايران
لم  يستطع الاحتلال ملء الفراغ السياسي والامني بالرغم من الاتيان بحكومة نوري المالكي الموالية للاميركيين ولكنها غير المعادية لايران ، وبالرغم من الحشد العسكري الكبير .

بالمقابل فان ايران تمكنت من استخدام نفوذها لدى الجماعات الشيعية التي لاذت بها ابان حكم الرئيس صدام حسين ، كما بنت علاقات مع عدد من الجماعات السنية ' ما جعل منها لاعبا اساسا في العراق ، وهو الامر الذي يهدد بقيام دولة شيعية على حدود السعودية .

كل هذه التراكمات تجعل الملف النووي الايراني احد الملفات الشائكة مع دول الخليج العربي وليس الملف الوحيد .

فدول الخليج تنفق على التسلح ارقاما كبيرة تقلق الجانب الايراني ،  فميزانية الامن والدفاع السعودية لحظت انفاقا ب 45 مليار دولار الى عام 2014 ، وللفترة نفسها فقد خصص العراق 10 مليارات دولار والكويت 6.5 مليار دولار وقطر 5 مليار دولار (وفقا لشركة فروست وسليفان للابحاث ) ، من جهة اخرى فان ما يقلق دول الخليج ولا يزال راسخا لديها تنامي النفوذ الشيعي في العراق ولبنان ، ولقوى المقاومة المدعومة من ايران في فلسطين كحركتي حماس والجهاد الاسلامي .

لم تستطع دول الخليج بلورة موقف واضح من البرنامج النووي الايراني ، والمعلن كان ضرورة خلو منطقة الشرق الاوسط من اسلحة الدمار الشامل ، على الرغم من ان ايران لم تعلن انها تريد انتاج اسلحة نووية ، بل تظل النية لديها كما ورد على لسان قادتها بانها تبني محطات طاقة نووية.

في الوقت عينه فان امتلاك اسرائيل للقنابل النووية وهي على مبعدة كيلومترات قليلة من الحدود السعودية لا تقلق المملكة ، التي يصرح مسؤولوها بأن تعنت اسرائيل لا يعني السماح لايران بامتلاك القدرة النووية .
 
 لا يزال هاجس تصدير الثورة هو المسيطر على الانظمة الحاكمة في الخليج

لم تستطع ايران بعد التواصل مع دول الخليج بالشكل المطلوب بالرغم من زيارة الرئيس احمدي نجاد للملك عبدالله وبالرغم من العلاقات الكويتية الجيدة التي توجت بزيارة لامير الكويت مطلع العام الى ايران ، وبالرغم من نفوذها في العراق ، كما لم تستطع دول الخليج انتاج تصور عما تريده من ايران وعن امكانية استفادتها من الطاقة الايرانية او  حتى بلورة مشروع نووية مشترك لمواجهة الحاجات المستقبلية ، ويبقى الطموح العربي النووي متمثلا باعلان مصر عن نيتها بانشاء محطة للطاقة والابحاث النووية بانتظار الضوء الاخضر الغربي عليها .

يضاف الى مواقف دول الخليج الموقف السوري الحليف لايران ، والذي يجد في العلاقة مع طهران سبيلا لتعزيز مواقفه في المنطقة بعد سنوات من التضييق خصوصا في الملف اللبناني . ان هذا الاختلاف يدفع الى السؤال عن الموقف العربي الذي يمكن ان ينتج من القمة العربية المقبلة في ليبيا ، حيث لا يمكن ايضا تجاهل الموقف اللبناني الذي يحرص على علاقات رسمية متينة مع ايران بفعل خصوصية التركيبة السياسية في لبنان.

لا تزال دول الخليج العربي على وجه الخصوص تعيش عقدة الحفاظ على الحكم فيها ، حتى وصل فيها الامر الى المقارنة بين اسرائيل  وايران وجعلهما في موقع واحد، وهو ما ظهر جليا في الساحة اللبنانية من خلال الشعارات التي انتجت بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005 ، مثل الغزو الفارسي والتمدد الشيعي (امتداد لنظرية الملك عبدالله الثاني عام 2003 حول الهلال الشيعي) . وفي الوقت عينه فان الخلاف الفعلي هو ابعد من ذلك ، يتعلق بسعي مختلف الانظمة العربية الى اتفاقيات سلام مع اسرائيل تعمل ايران جاهدة لعدم حصولها من منطلقات عقائدية فتدعم حركات المقاومة مثل حزب الله وحماس والجهاد والجبهة الشعبية .

ومن هنا فان ريبة بعض دول الخليج من ايران من منطلق دعمها للمقاومة لا يحظى بقبول كبير لدى الشارع ، فقامت بعضها بالتستر بالبرنامج النووي والتمدد الشيعي لخلق جدار جديد بوجه ايران بعد انهيار نظام صدام حسين الذي شكل لفترة طويلة حاجزا امامها.

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

Al-Mayadeeen Feeds