الأحد، 6 نوفمبر 2011

لننسى اقراص الكبة والنمورة وخبز المرقوق

 

بقلم: حسين نور الدين 


لم تعد الاشياء التي لها تفسير كثيرة في حياتنا اللبنانية ، ولذلك سأبدأ ب "لست اعلم". فانا وانت وهو وهي لا نعرف لماذا لا تنتهي ازمة الكهرباء ، ولا نعرف لماذا لا يحاسب اللصوص، ولا نعرف لماذا تحكمنا زمرة متعفنة من البشر!.

 

لست اعلم ما الرابط بين ما يطلق عليه الانتاج البلدي والصحة والاقتصاد الصحي والتراث والثقافة!.

 

لن اترك المجال لشخص ينتقدني في كلمتي التراث والثقافة اللتين استحوذتا على الكثير من النشاط الفكري لتعريفهما ولم ينجح احد بذلك نجاحا فرديا. ولذلك استعمل هاتين الكلمتين بما تعنينان من دلالات في المجتمع اللبناني الفاشل وليس سواه.

 

ان اكثر ما نستهلكه اليوم من مواد غذائية هي مستوردة من مصر والسعودية وسوريا والاردن وهي بالطبع كلها في بلادها منتجات بلدية.

 

ويذكرني التشده بالبلدي وغيره بنكة حصلت معنا ونكتة يعرفها اللبنانيون كلهم تقريبا وهي ما اسم الموز الصومالي في الصومال ؟

 

اما النكتة الاخرى فهي دعوة احد اصدقائنا لمجموعة اخرى من الشباب على العشاء البلدي والالحاح عليهم، وقد سعى للاقناع الى استخدام مصطلح البلدي: جبنة بلدية ، لبنة بلدية ، كل شي بلدي ومرقوق...

وصل الرفيق الى المزرعة وطلب ما طلب واذا بصديق لنا عند عودته يروي على سبيل النكتة انه سمع من مدير المزرعة طلبه من العمال بتذويب الحليب الجاف لارضاع احد العجول .

 

يا لها من نكتة ضحكنا عليها لسنوات.

 

اما اليوم فالامر مختلف، فهو يتمثل بالاتجاه المتنامي نحو تقديس البلدي : سماق بلدي ، زعتر بلدي ، سمسم بلدي، لبنة بلدية، خبز مرقوق ( على الغاز) ، مكدوس، معرض بلدي ، لبنان بلدي.

 

لا ادري ما العيب في الستروغونوف الاكلة البلدية في روسيا والبيتزا الاكلة البلدية في ايطاليا التي اخترعت للحد من الجوع اطول فترة ممكنة.

 

لا ادري ما العيب في الانتاج الاخر ليس لانني ممن يحبون الغرب بل لانني احب المنطق .

 

فالمزارع في هولندا تراعي المعايير البيئية اكثر بكثير من مزارعنا ، والاعلاف فيها طبيعية وليست على غرار الاعلاف في لبنان لا ندري ما مصدرها وغير مسموح معرفة تفاصيل عنها.

 

ذهبت الى سوق اللحم في النبطية واكلت اطيب كستلاتة غنم من سوريا واذا بكيلو لحم البقر العجل البلدي يباع بسعر الغنم لان اللحام يقول انه بلدي (مصدر العجل سوريا بالتأكيد اذا تم النظر الى هويته).

 

اما العسل فحدث ولا حرج ، فانت تشتري سيارة بعشرة الاف دولار ولا تسأل كثيرا عن كيفية اختبارها، واذا بتولع او ما بتولع ، ولكن ما ان تطلق كلمة عسل امام مجموعة لبنانية حتى يشتعل النقاش ويدور دق البوكس بالمعلومات الوفيرة .

 

بالتأكيد ان في الصين نحل صيني ذو عيون مفلطحة وينتج عسل. وهناك نحل اميركي مستكبر استعمر مرعا مكسيكيا لينتج عسلا مغصوبا وهي كلها انتاجات بلدية.

 

لاكون اكثر جدية واقصر الى الفكرة : لماذا نسعى الى اقتاع الفلاح التلفانة اعصابه بان قعدته في المنزل امام التنور ام الصاج ستجعل منه نجما في معارض الانتاجات البلدية؟

 

لماذا نسعى الى اقناع انفسنا ان الانتاجات التي نطلق عليها بلدية هي انتاجات تقارب الانقراض ويجب الحفاظ عليها؟

 

لماذا لا نقنع هذا الفلاح ان ابنه يجب ان يكون مهندسا زراعيا وان ينعم بكهرباء المدينة لا بعتمة الجبل؟

لماذا لا نسعى الى ايجاد البدائل الاقتصادية النافعة لهذه الطبقة المتعبة من البشر بدلا من السعي الى قضم كدوشة المرقوق والتنعم بها ثم القول يعطيك العافية وتركه يصارع اسعار المازوت شتاء؟

 

ثم ان كان الانتاج البلدي مقدس الى هذا الحد ويؤمن المعيشة ويحد من النزوح والهجرة لماذا لا يلجأ المنعمون وابناءهم اليه ؟

 

هؤلاء اصحاب الانامل الرقيقة الذين ما عرفوا المعول يتغنون عن بعد والغناء تحت الماء لا ينتج صوتا.

 

ان الانتاج البلدي هو كل انتاج قومي لبناني يؤدي الى معيشة كريمة لاصحابه وليس الى اشباع لدى المستهلك فقط. فلندعم تجربة انتاج السجاد في قرى صور ، ولندعم انتاج العسل على مستوى تجاري للتصدير ، ولننافس اسرائيل في الكيوي (اذا تم زرعها في لبنان تصبح كيوي بلدية) ، ولننافس على دخول عالم تصنيع بعض قطع الكمبيوتر . اذا تمكنا من استقطاب مستثمر لانشاء مصنع  اقراص مدمجة بالتأكيد يشكل قفزة مهمة.

 

لننسى اقراص الكبة والنمورة وخبز المرقوق ولنفكر جديا بارتباطهم بالتراث والثقافة.

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

Al-Mayadeeen Feeds