الخميس، 24 مايو 2012

نصر في وطن غائب


*نبيه عواضة

نصر مستريح فوق التلال، يلملم ضحكات القرى ويرميها صدى في الأودية... وجوه ناس فرحة تنثر مثل اشعة الشمس سمرتها في الحقول... أطفال يلهون في بقايا عتاد عسكري قرب شائك الاسيجة والصخر والعشب البري وقد تحرر من دوس الجرافات والدبابات والاقدام الغازية... وفي مكان اخر مدينة يلف ليلها الموت ويزيد من عتمتها دخان الحريق الاسود... طرقات مقفلة تقطع اوصال الوطن... حواجز مسلّحة تفرض خوتها على الاسفلت حتى... قرى غاضبة على حول غير حولها... لغة الرصاص تتكلم... كذبة جديدة تظهر...
نصر ايار، ملحمة نضالية لوطن مشقق... كيف نروي السيرة بعد اثنتي عشرة سنة على قيامة التحرير... هل نرويها بلسان الناس الفقيرة الرازحة تحت احتلال من نوع آخر، هو احتلال الفقر والعوز، احتلال القتل والاقتتال الذي يلوح كلما طلع نهار او غابت شمس لمجرد أن قول قيل او فعل حصل... أم نرويها شكوى من الدولة الغائبة المترهّلة العاجزة والفاسدة... فمن أين البداية؟
كيف لنصر بهذا الحجم ان لا يستطيع حماية رغيف الخبز من خطر التنحيف، وأن لا يصون حليب اطفالنا من فاسد، وأن لا يقدم لنا ممارسة حكومية تهتم بالمواطن وترفع الظلم عنه وتحرّره من كل صنوف الجشع.
كيف لنصر بهذا الحجم ان لا يستطيع حماية الوطن من التدمير، من الذهاب نحو الهلاك، حيث لا يبقى وطن ولا يبقى شعب يحتفل... فنسأل ؟
هل الانتصار لنا؟ هل هو لشعبنا وقد اغرقه الحكام الجدد والقدم على السواء بحال من الفوضى وقد جعلوه اسير المخالفات والتعصب، تعصب قائم على رفض الاخر، على قهره، نبذه وقتله.
نحن نتربع على كومة من الهموم فيما الانتصار معلق على الرايات ويصدح في المنابر... لماذا لا يكون لهذا النصر دولة تشبهه... دولة تناصره... دولة تكون بمستواه، وفي ابسط الاحوال دولة تحميه... دولة لا مزرعة يقتات خيرها سارق فيما الشعب جائع، دولة حرة يديرها من كانت يده نظيفة، لا مجموعة تجيد فن الكذب فهي تبدو امام الشعب حاقدة على بعضها البعض بينما هي في الحقيقة مجموعة متحالفة متآمرة فيما بينها عليه...
في نصر ايار... نعشق الرعب المسيطر على جندي صهيوني محتل يدنس ارض فلسطين في اقصى جنوبها، يصوب بندقيته نحو طفل يلهو عند حدود قطاع غزة او قرب مدرسة قريته بجوار الجدار العازل في الضفة الغربية المحتلة فيما هو يلتفت الى السماء خوفا من صاروخ ما قادم من لبنان... لكن يصيبنا ويقلل من عزيمتنا ويشعرنا بالضعف ازدياد الهوة بين الفقراء والاغنياء في وطننا، حيث الاقتصاد شركة خاصة محتكرة سياسيا يتقاسم منافعه زعماء الطوائف. وحيث الدولة بكل اداراتها ووزاراتها وخدماتها منقسمة بين ولاء وولاء بين نفوذ ونفوذ يصبح المواطن بين هذا الولاء وذاك النفوذ مجرد متسول.
في نصر ايار. يريحنا ذاك الرعب المسيطر على ذاك الجندي الصهيوني المحتل... لكن يرعبنا ويقضي على زهونا بالنصر والتحرير مشهد دمنا المهدور على الطرقات، مشهد موتنا القادم من ذرية البادية ونسب الجهل... جهل الامس واليوم والغد...
فهل لهذا النصر ان يحررنا من هذا الطغيان الجديد الذي يبدو الاحتلال امامه صغيرا وصغيرا جدا؟!

 نبيه عواضة أسير لبناني سابق في السجون الإسرائيلية *

منشورة في السفير

ليست هناك تعليقات:

Al-Mayadeeen Feeds