الاثنين، 1 يوليو 2013

سقوط الإخوان وشيطنة "الإسلام الحركي"



يوم وصل "الإخوان المسلمون" إلى الحكم في مصر إحتفلت الأمة الإسلامية ببدء مرحلة جديدة في تاريخها. كانت الحركات الإسلامية على إمتداد الأمة تتحدث عن ربيع إسلامي سيطيح بكل الرواسب العفنة للإستعمار، بل وسيحيي الآمال بإستعادة فلسطين مجددا وتحرير المسجد الأقصى. جميع من يصح فيهم الوصف بأنهم جزء من حالة "الإسلام الحركي" تقاطروا إلى القاهرة في مشهد قورن بتقاطر الحركات الإسلامية يوما إلى طهران بعد إنتصار الثورة الإسلامية هناك.
حكمَ الإخوان مصر بعد إثنين وثمانين عاما من النضال بين المعتقلات والمنافي، لا بل ان الرئيس الإخواني الجديد كان قبل سنة و بضعة أشهر من إعتلائه الكرسي معتقلا لدى نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك. حكمَ الإخوان مصر بعد إنتخابات مشهودة حازوا فيها الأغلبية وهزموا في دورتها النهائية رئيس وزراء النظام السابق احمد شفيق بشق الأنفس، ليحتفل المصريون بطوي آخر صفحات الثورة.
كان جليا للمتابع ان هناك من لم يرض بالإخوان حاكما لمصر، وكان جليا ايضا ان الإخوان لم يكونوا قادرين لوحدهم على حكمها، لكنهم كابروا، فتراكمت رغم قصر المدة المشاكل، وزادوا إلى طينهم بلة أنهم تخلوا عن بعض ثوابتهم تحديدا تجاه أميركا وإسرائيل. كانت الحركات الليبرالية واليسارية المصرية تستفيد من اخطاء الجماعة وتبني عليها لإثبات ان ما كان يقال عن ان الإخوان إنتهازيون ومرتبطون بالخارج هو امر واقع وان الشعارات التي كانت ترفع على سلالم نقابة الصحافة المصرية خلال الإعتصامات عن خدمة الشعب ونهضة الفقراء ومواجهة أميركا وإسرائيل لم تكن سوى مطية للوصول إلى الحكم.
لم تساعد الظروف الإخوان كثيرا، ولم يساعدوا هم أنفسهم، فتدهورت الأوضاع الداخلية في البلاد حتى وصلت دركا غير مسبقو، وهم لبرهة ظنوا أنهم في مرحلة التمكين يحق لهم فعل أي شيء، بما في ذلك الإستمرار في سياسة النظام السابق تجاه أميركا وإسرائيل. لم يعوا ان واحدة من اساسيات مشروعيتهم تلك المواقف التي تربوا عليها وتبنوها وإستشهد المئات منهم من اجلها، وهنا كانت الخطيئة التي ساهمت في توطيد دعائم مشروع كبير ممتد الفروع، عنوانه "شيطنة الإسلام الحركي".
قبل سنوات قليلة كان في الأمة إجماع على ان جماعات "الإسلام الحركي"، لا سيما منها تلك التي إنخرطت في العمل النضالي، هي الوحيدة التي أتقنت مواجهة الإستكبار وصاحبة اليد الطولى في هزيمة إسرائيل في فلسطين ولبنان، وأميركا في العراق وأفغانستان. ولسنوات واجهت هذه الجماعات حروبا مختلفة سياسية وعسكرية وضغوطات مالية وإجتماعية لكن ذلك لم يثنيها عن الإستمرار في معركتها. لم يطل الأمر حتى بدأت هذه الحركة بمواجهة حالات داخلية في أوطانها أدخلتها في صراعات مناطقية وعشائرية وطائفية، جردتها بداية من بعض إمتداداتها داخل مجتمعاتها. ليتطور الأمر شيئا فشيء ولتتواجه هذه الحركات وليصبح بعضها عدوا لبعض.
لعل من نافل القول الإشارة إلى ان الحركات الإسلامية فشلت حقا في بناء علاقة طويلة الأمد بالمجتمعات التي نشأت فيها. البعض فشل عندما حاول تعميم نموذجه بتسرع، والبعض الآخر عندما وقع في أفخاخ وضعتها له قوى ودول تريد له الفشل والسقوط، بل وتريد لهذا السقوط ان يكون مدويا. الأمثلة كثيرة بتعدد الحركات الإسلامية في عالمنا العربي، تمتد من المغرب إلى عمان، لكن الأمثلة الأبرز للحالة التي نعيشها تتمركز في تونس ومصر وفلسطين ولبنان. والأهم ان ما كان يجمع الحركات الإسلامية في هذه البلاد قبل عامين تقريبا تخطى تحالف المصالح، او تقارب الأرضيات المشتركة، ليتكرس أخوة الدم كما بين حركة المقاومة الإسلامية حماس في فلسطين وحزب الله اللبناني، بين الحركة التي تعتبر إمتدادا لحركة الإخوان المسلمين السنية والحركة التي تحمل عقيدة الولي الفقيه الشيعية.
خلال العقد الماضي نجح حزب الله في تحرير جنوب لبنان عام 2000 وتحرير أسرى لبنانيين في السجون الإسرائيلية كما في هزيمة إسرائيل في العام 2006، كذلك حماس نجحت في تحرير قطاع غزة من إسرائيل عام 2005 وإخراج مئات الأسرى الفلسطينيين بعد أسر جندي إسرائيلي وإفشال الحرب الإسرائيلية عام 2009. ميزان إنجازات كبير لكلا الحركتين جعلهما بالنسبة لملايين العرب مضرب المثل ومثارا للإعجاب. اهم إنجاز خارج إطار ما ذكرناه ان حماس وحزب الله قدما للعالم العربي والإسلامي دليلا واضحا على انه بالإمكان إسقاط إسرائيل وهزيمتها وإن بسلاح عادي. كان النموذج يوما بعد يوم يتحول إلى حالة مخيفة لكل من إسرائيل وأميركيا وحلفائهم في المنطقة، لذا كان لا بد من إسقاط النموذج ليذوب الدليل بإسقاطه وتعود الأمور مجددا إلى المربع الأول.
هكذا كان، إذ ان الأزمة السورية حولت الدماء التي جمعت حماس وحزب الله إلى ما يشبه الماء، وأضحى كل منهما في خندق مواجه للآخر. لم يكن أكثر المتفائلين إسرائيليا او أميركيا يتوقع هذا المصير، لكنه حصل، بغض النظر عن المسؤوليات ومن يتحملها بينهما. وبدأت تسمع في أروقة هذا الفصيل وذاك إتهامات غير مسبوقة. فجأة تذكر الجميع انهم مختلفون وانهم لا يشبهون بعضهم البعض. ساهمت في تزكية ذلك دول ووسائل إعلام إختارت طرفا في وجه طرف، والأمر لا ينحصر بحزب الله وحماس بل يتعداهما إلى الكثير من الحركات والأحزاب الإسلامية التي ظهرت فجأة إختلافاتها على غير قضية وغير موضوع.

إذا بغض النظر عن الأخطاء التي أرتكبت هناك من يساهم في عملية شيطنة الإسلاميين، وبعضهم يساهم في هذه العملية بقصد او من دون قصد من اجل إظهار خصمه او منافسه كمتشدد او إنتهازي او مجرم، ظنا منه انه سيكون الرابح من هذه الصورة، لكن الحقيقة المرة ان الرابح الأول والأخير هو عدو الإسلاميين على إختلاف توجهاتهم، الرابح هو من يريد القول ان الإسلام لا يصلح لقيادة المجتمع وان المشكلة ليست في التطبيق بل في عين المبدأ.

ليست هناك تعليقات:

Al-Mayadeeen Feeds