الأحد، 31 أكتوبر 2010

بلد مكشوف ودولـة فـي إجـازة



واصف عواضة

لا يحتاج الكلام الاخير للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله الى الكثير من الحنكة لفك رموزه وتحليل مآربه وتفسير رسائله. فهو قال بصريح العبارة «نقطة على السطر». لكن أول السطر الجديد يتطلب الكثير من التأمل في الغد القريب والبعيد لمستقبل البلد. فالسيد كما يبدو ليس خائفا على «حزب الله» الذي «له رب يرعاه», فيما للبلد أرباب وآلهة متعددون, والويل كل الويل اذا اختلفت الآلهة.

على أول السطر, يبرز انكشاف لبنان أمام الأمم, بحكامه وساسته وموظفيه وطلابه وشيوخه ونسائه وأطفاله, في المقار الرسمية والمؤسسات العامة والخاصة والمدارس والجامعات والاندية والمقاهي والعيادات الطبية, وأولا وآخرا في شركات الاتصالات المحمولة والثابتة التي باتت «سدح مدح» أمام السفارات وأجهزة المخابرات العالمية, وفي طليعتها المخابرات الاسرائيلية.

ليس جديدا بالطبع انكشاف البلد أمام السفارات والأجهزة المخابراتية الخارجية, لكن الجديد ان هذه الاجهزة لم تعد بحاجة الى كثير عناء لمعرفة أسرارنا وخصوصياتنا, اذ باتت قادرة من بلدانها ومراكزها الرئيسية, على رصد تحركاتنا وعدّ أنفاسنا, وبات على كل لبناني أو مقيم في هذا البلد اتخاذ أقصى الاحتياطات للقيام بأي نشاط, حتى لو كان نشاطا جنسيا، محللا او محرما. وفي هذا السياق يبدو الحديث عن «استباحة البلد» تعبيرا مخففا لما هو قائم, اذ لم تُعط لجنة تحقيق أو هيئة دولية في التاريخ كل هذه الصلاحيات الواسعة للدخول الى أسرار شعب ما, بما في ذلك العيادات الطبية ومخادع النوم.

وأياً كانت ردود الفعل السياسية على كلام السيد نصر الله, سلبية ام ايجابية, وهي حق من حقوق الآخرين ولا جدال فيها, فإن ما أعلنه (وبعضه معروف) فتح الاعين على حقيقة مريرة, وشكل «نقزة شعبية» واسعة لدى الرأي العام اللبناني بر مته, سواء المؤيد للمحكمة الدولية او المناهض لها, اذ شعر كل مواطن لبناني بأنه خاضع لرقابة دولية مخابراتية صارمة ومفتوحة على الصديق والعدو, قد تدفع البعض الى تحسس ثيابه الداخلية كل صباح ومساء. وليس هذا التوصيف من باب المبالغة, بل هو واقع أقل ما يقال فيه «يا عيب الشوم». والمؤسف أن هذه الصلاحيات والاجراءات تدار تحت شعار «الشرعية الدولية» التي يعرف الجميع أنها تحولت الى حفلة من النفاق السياسي المحكوم بالمصالح الدولية الكبرى على حساب الضعفاء, وهو ما يفسح المجال العالمي لمزيد من التطرف والعصيان والتمرد, لغياب العدالة الدولية المفترضة.

في الخلاصة, وبعيدا عن المحكمة الدولية وقرارها الظني المنتظر, أياً كانت حيثياته, يُفترض بالواقع السالف الذكر أن يُطرح جدياً على طاولة النقاش وعلى أعلى المستويات لتصحيح الخلل القائم بقرار لبناني جامع. فانكشاف لبنان بهذا الفجور لا ينال من «حزب الله» والمقاومة فقط, وان كان هذا الفريق هو المستهدف المباشر في هذه المرحلة, بل يجب تدارك الامور قبل ان يقع اللبنانيون جميعا في المقولة الشهيرة «أُكلت يوم أُكل الثور الابيض». وفي هذا السياق تقع مسؤولية المجلس النيابي بالدرجة الاولى والاخيرة, باعتبار ان الحكومة اللبنانية الوفاقية الرشيدة تبدو في إجازة مفتوحة, اذ تنعقد جلسات مجلس الوزراء منذ فترة طويلة, فقط للجدل السياسي العقيم, ومن دون قرارات منتجة وذات جدوى.

ان الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم. والسلام على من اتبع الهدى.

ليست هناك تعليقات:

Al-Mayadeeen Feeds