الأربعاء، 15 أبريل 2015

اسباب ودواعي "الحياد" الباكستاني المفاجيء في الحرب اليمنية #رانا_أبي_جمعة @ranaabijomaa

رانا أبي جمعة

فوجئت باكستان بالتهديد والوعيد الذي تلقته بعيد اقتراع برلمانها  على الحياد إزاء الأزمة اليمنية، فقد رأى انور قرقاش وزير الدولة الاماراتي  للشؤون الخارجية  أن مواقف السلطات البكستانية المتناقضة والملتبسة في هذا الظرف المصيري  ستكون كلفتها عالية.  سارعت إسلام أباد للرد  معتبرة ان موقف  الامارات خارج عن الاعراف الديبلوماسية وينطوي على اهانة وتهديد  غير مقبول. علما انها التزمت الدفاع عن المملكة اذا ما تعرضت لعدوان خارجي على اراضيها لكن كيف يمكن تفسير هذه المفاجاة الباكستانية التي  تلقي  ثقلا كبيرا على  حرب اليمن ؟ . 
لنبدأ في استعراض علاقات باكستان بكل من إيران والمملكة العربية السعودية علّنا  نعثر على تفسير للحياد  الذي  التزمته إسلام أباد،
هذا إذا ما سلمنا جدلا بأن ما يدور في اليمن حرب بالوكالة بين هذين البلدين.. 
عوامل متعددة  تحكم العلاقات الباكستانية الايرانية   من بينها الحدود  المشتركة الطويلة التي  تصل الى 900 كلم كانت شهدت في الاسابيع الماضية ولا تزال اشتباكات بين حرس الحدود والحرس الثوري الإيراني  من جهة ومجموعات مسلحة بلوشية تبدأ مطالبها بتحصيل حقوق السنة في إيران وتصل الى حد طلب انفصال إقليم بلوشستان كليا عن كل من إيران وباكستان وافغانستان. وهنا نفهم معنى المصلحة الإيرانية الباكستانية المشتركة في كبح جماح انفصاليي هذا الإقليم الغني بالنفط والمعادن..
جانب اخر  من هذه العلاقة يتمثل بالبعد المذهبي، فإسلام أباد تحتضن أكبر تجمع للشيعة في المنطقة بعد إيران (20% من السكان) ما يجعلها حريصة على الحفاظ على التعايش الداخلي خصوصا مع وجود رأيين في هذا البلد، الاول ينتقد انشطة المراكز الثقافية الإيرانية في باكستان التي تحولت بنظر اصحاب هذا الرأي الى  التبشير  المذهبي والرأي الثاني  يقول بأن الحرب اليمنية ليست سوى انعكاس لصدام مذهبي إيراني - سعودي ما يجعلنا نفهم  سبب الحرص الباكستاني الدائم للخروج من الدائرة المذهبية.. 
جانب ثالث  يطال التهديدات المشتركة  للبلدين، من حركة طالبان في أفغانستان التي شكلت لفترة طويلة قضية شد وجذب على خلفية دعم باكستان لهذه الحركة المناهضة للحكم في إيران والتي دمرت المقامات الشيعية التي تمكنت من الوصول اليها، ولم يلتقي البلدان  الا غداة سقوط طالبان وتوقيع اتفاقية أمنية بين أفغانستان والولايات المتحدة تضمنت بقاء قواعد عسكرية أميركية في كابول .  فاعتبرت طهران واسلام اباد ان هذه القواعد تنطوي على تهديد لهما. فلباكستان تاريخ طويل من العلاقات مع الولايات المتحدة اتسمت بالتقارب والتحالف ولكنها ايضا لم تخل من الخذلان في كثير من المراحل الدقيقية ولا سيما خلال الحرب الهندية الباكستانية..
وفي الأيام الأخيرة، كثرت التحليلات التي تقول بحتمية تأثر العلاقة الباكستانية الايرانية بالاتفاق النووي الذي تعد الولايات المتحدة أحد أطرافه. فرفع العقوبات التي فرضها الغرب والولايات المتحدة على إيران من شأنه أن ينعكس على العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين في ضوء مقترح لرفع حجم التجارة بينهما بنسبة 20% سنويا، إضافة الى تعبيد الطريق امام مشروع انبوب نقل الغاز من إيران – باكستان اثر اتخاذ القرار السياسي الباكستاني  بالشراكة في هذا الخط  مع رفع "الفيتو" الاميركي عنه وقد عرف باسم "مشروع السلام".
في الجهة المقابلة  تتكثف الزيارات المتبادلة  على خط باكستان- السعودية، على أعلى المستويات بين بلدين تجمعهما اتفاقية صداقة وسلام منذ خمسينيات القرن الماضي، وقد لاحظنا  مؤخرا ان جزءا منها وضع قيد التطبيق في اطار الرد على الاتفاق المرتقب بين الدول الكبرى وإيران حول برنامجها  النووي. وفي السنوات الأخيرة سعت السعودية الى تجديد اتفاقية الشراكة الإستراتيجية مع باكستان لضمان الافادة من كل قدراتها  من أجل حماية المملكة في حال تعرضها لأي خطر فكان أن حصلت عليها،  علما ان التغييرات الإقليمية والدولية المتسارعة ترغم السعودية على نسج علاقات جيدة مع دول المنطقة الاقليمية على أكثر من صعيد.
يبدو من العرض السابق ان الطلب السعودي من باكستان المشاركة في عملية عاصفة الحزم لم يات  من فراغ، فلاسلام اباد دورٌ في هذه العملية لا يستهان به وهو استمرار لادوار  مماثلة  ومعروفة في تاريخ العلاقات بين البلدين ، فلباكستان  الفضل في تأسيس سلاح الجو الملكي السعودي وتدريب طياريه الذي يقومون اليوم بقصف اليمن. وإذا ما رجعنا ايضا وايضا لتاريخ ليس ببعيد نجد أن السعودية وظفت الافا من الجنود الباكستانيين إبان حرب الخليج الثانية في بداية التسعينيات ولا تزال تستعين بالمئات من الباكستانيين للمساعدة في تدريب وحدات الجيش السعودي. بكلام آخر هي ساعدت وتساعد المملكة في حربها على اليمن ولكن يبدو أن المطلوب هو  انخراط كلي في حرب اليمن لا مشاركة محدودة فقط. وهذا اقل ما كان يتوقع من نواز شريف رئيس الحكومة الباكستانية وهو المدين بحياته للسعودية التي أنقذته من الإعدام إذ استضافته بعد أن أطاح به انقلاب برويز مشرف، ومكث بها إلى أن عاد إلى باكستان عقب الإطاحة بالأخير.
وكما لباكستان مصلحة اقتصادية لا يستهان بها مع إيران، هناك علاقات اقتصادية مع المملكة تدر على باكستان حوالات سنوية تزيد على أربعة مليارات دولار، عمادها وجود عمالة باكستانية في المملكة يقدر حجمها بنحو 1.5 مليون باكستاني. والى جانب حوالات العمالة والاستثمارت المتبادلة و المرتقبة بين البلدين، تقف باكستان أيضا  في المراحل الاخيرة لإنهاء صفقة مقاتلات "JF-17" الباكستانية الصنع يتوقع أن تصل قيمتها إلى عدة مليارات من الدولارات.
في حساب التدخل الخارجي في حرب  بعيدة  عن الحدود  لاتكفي  المعطيات الخارجية فحسب، فالى جانب العلاقات بين الدول والتحالفات القوية  يكتسي الوضع الداخلي للدول أهمية لا يمكن التغافل عنها، و المعروف ان الوضع الداخلي في باكستان هش فهناك حملات متواصلة لمكافحة ارهاب حركة طالبان الباكستانية وتوتر دائم مع الهند عدوها الخارجي القديم ما يجعل شعبها و برلمانها وجيشها يفكرون ألف مرة في الفائدة من الانخراط الكلي في عملية "عاصفة الحزم".
وأمام التحديات الداخلية والعلاقات الاقليمية والدولية المعقدة، قررت باكستان الحفاظ على التوازن في علاقاتها مع كل من السعودية وإيران. فهل تنجح فعلا؟   هذا السؤال لن يبقى بلا جواب  لوقت طويل.


ليست هناك تعليقات:

Al-Mayadeeen Feeds