السبت، 20 يونيو 2009

الانتخابات الايرانية : وقفة مع الحاضر والتاريخ

علي عبادي ـ صحافي لبناني

 

"الفاجر اكل مال التاجر" ، هذه هي حال المشهد الاعلامي والسياسي الذي يتناول الانتخابات الرئاسية في ايران . كأنما كثرة الضجيج والتهافت على ادانة تعامل السلطات الايرانية مع التظاهرات واعمال الشغب اصبح القضية الاولى لدول الغرب ومن يلتحق بها من عالمنا العربي الذي لا حظّ لكثير من دوله لا في التظاهر وفي الانتخابات .

إنه ببساطة مشهد من فجور ِعاهرة ٍتحاضر في العفة : دَعُوا التظاهرات تنطلق لتصبح هي المشهد المألوف بدلاً من الانتخابات التي قدّمت نتائج جاءت بخلاف ما يشتهيه بعضهم في ايران ، كما في خارجها. والمفارقة ان اصواتاً اكاديمية علت في واشنطن تلفت الى تحاملٍ حاصل على ايران في انتخاباتها الرئاسية ، وعلى سبيل المثال ، قالت منظمة " تيرور فري تومورو"

Terror free tomorrow

وهي منظمة غير حكومية متخصصة في دراسة الاراء العامة انها اجرت استطلاعا للرأي عبر الهاتف شمل 1001 ايراني بين 11 و20 ايار / مايو في 30 محافظة ايرانية ، نال احمدي نجاد فيه ضعفي نوايا التصويت بالمقارنة مع معارضيه . هذه النتيجة يتعامى الكثيرون عن دلالاتها فينطلقون الى تصفية حساباتهم مع الرئيس احمدي نجاد حتى لو كانت نتيجة الصناديق تقول شيئاً آخر . 

لا شك ان الرئيس احمدي نجاد بنى قواعد شعبية كبيرة خلال السنوات الاربع الماضية من عهده ، من خلال زياراته المتتالية الى المحافظات وافتتاحه اسلوباً في الحكم لم يسبقه اليه أحد لجهة اقامة جسور مباشرة مع الناس وإرهاقه معاونيه في متابعة مطالبهم وشكاواهم ، وقيل ان هناك عشرين مليون رسالة عاد بها من هذه الجولات وأوكل الى فريق من الموظفين معالجتها ، ولذلك ليس غريباً ان يصب هؤلاء اصواتهم لمصلحة من يعتقدون انه يعمل فعلاً لخدمتهم بعيدا عن الاطر البيروقراطية .

وسواء كان رأينا موافقاً لهذه الطريقة في الحكم او معارضاً ، فهذا لا يغير في حقيقة الامر وهي ان على جميع المعنيين ان يسلموا بنتائج الانتخابات ما داموا قد ارتضوا ان تكون هي الطريق للحُكم . وليس صحيحاً تحويل التظاهر، وهو حق سياسي مشروع ، الى وسيلة لقلب النتائج بالضغط النفسي وتهييج الناس . ونحن نذكُرُ ان نظام الجمهورية الاسلامية احترم دائما مبدأ الانتخاب بصرف النظر عن كل ما يثار من ملاحظات حول طريقة تطبيقه ، ونظّم الانتخابات في اصعب الظروف ولم يلجأ الى اعلان حال الطوارئ او تعليق العمل بالدستور ، كما لم يسجَّل خلال فترة ثلاثين عاما عملية تزوير انتخابات ، وكانت النسب التي يحصل عليها المرشح معقولة الى حد كبير ، ولم تكن لتصل الى 90 او 99 بالمئة كما في بعض البلدان . ومن شواهد الاستقامة في هذا النظام ان الشيخ علي اكبر ناطق نوري وهو رئيس سابق لمجلس الشورى ( البرلمان) وكان يُعد من المحافظين هُزم في الانتخابات عام 1997 على يد السيد محمد خاتمي بفارق كبير من الاصوات ، وكانت ردة فعل ناطق نوري الذي نادى بولاية الفقيه في حملته الانتخابية ان اتصل بخاتمي ليلة فرز الاصوات وقبل صدور النتائج الرسمية وهنأه على فوزه ، ثم قفل راجعا الى بيته ، ليستمر النظام بشكل طبيعي ، ثم جُدد للرئيس "الاصلاحي" اربع سنوات اخرى من دون اية مشكلة برغم عدم الانسجام بينه وبين مؤسسات اخرى في النظام تُحسب على الجناح المحافظ .

 والآن كان ممكناً ان يفعل احمدي نجاد ما فعله من قبلُ ناطق نوري لو ان النتائج كانت في مصلحة منافسه مير حسين موسوي ، ولقد اوضحت وزارة الداخلية ان موسوي تفوق فعلا على احمدي نجاد في محافظتي طهران واردبيل ، وتعادل معه في اربع محافظات اخرى ، لكنه خسر في المحافظات الباقية . وثمة ما يدعو للتساؤل عمن أقنع موسوي انه الفائز ، حتى اذا قيل له عن دلالات الفوز ، تحدث عن "مخالفات" ، والمخالفات شيء والتزوير شيء آخر ، وهو اعترف بأنه لا يأمل كثيرا من الطعن الذي تقدم به ، مُصراً على الغاء نتيجة الانتخابات برمتها ليضع البلاد رهن التهديد بالتظاهرات . فهل هذا سلوك ديمقراطي ؟!   ومن اغرب ما سمعتُ وقرأتُ ان بعض مناصري موسوي تحدث عن تلقيه اتصالاً من وزارة الداخلية يبلغه بفوزه ويطلب اليه إعداد خطاب الفوز (هكذا ببساطة) قبل صدور النتائج من وزارة الداخلية ، وانه تبلغ حصوله على 19.5 مليون صوت ، يليه الشيخ مهدي كروبي بقرابة 13 مليون صوت ، ثم احمدي نجاد ب5 ملايين صوت تقريباً، وهذه الارقام تثير التبسم ، والكذبة تُعرف من خلال حجمها: ان يحل احمدي نجاد في المرتبة الثالثة بفارق شاسع حتى عن المرشح مهدي كروبي أمر يثير ضحك الثكلى ، خصوصا وان كروبي لا يُحسب منافساً جدياً لأحمدي نجاد . وأعود وأقول ان هستيريا تضرب عقول كارهي احمدي نجاد وسياساته ، وعليهم ان يتعاملوا مع الوقائع وتقبّل نتائج صناديق الاقتراع ، أما المخالفات فيجدر بهم ملاحقتها إن وُجدت من خلال اطار قانوني . أما الارتكاز على الشائعات فلا يحسنُ ان يأخذ به ايُ زعيم او جهة، أنّى كان هواه او هواها .

أما الكلام عن القمع ، ففيه كلام ايضاً ، اذ لو كان في ذهن السلطات الايرانية ان تزوّر نتائج الانتخابات لما سمحت لهذا الكم من الصحافيين الاجانب بتغطية الانتخابات ، ولما كانت سمحت بتغطية التظاهرات التي اعقبتها بشكل مباشر على الفضائيات ، لكنني اتفهم ان اتجاه الامور في اتجاه إحداث " انقلاب ابيض" يهدف الى تغيير النتائج بطريقة قهرية وغير موافقة للنظام العام دفع السلطات- كما يبدو- الى اتخاذ اجراءات لحماية البلاد من مخاطر جسيمة تهدد الوحدة الوطنية والامن ، خصوصا مع لجوء بعض المتظاهرين الى مهاجمة رجال الامن واحراق سياراتهم ودراجاتهم دون ان يردّ هؤلاء في البداية سوى بالغازات المسيلة للدموع .  ولا نهدف من خلال هذه القراءة الى الدفاع عن القوى الامنية ، فقد تكون هناك اخطاء حصلت في خضم التعامل مع جموع هيّجها وعبأها من تحدث عن تزوير . 

ايران في قلب الخطر ، كانت كذلك طيلة ثلاثين عاماً ، وهي اليوم اكثر عرضة للخطر إذ تُستنزف طاقاتها الجماهيرية المعروفة بصبرها وايمانها الصلب في خضم جدل مفتعل يهدد بإضعافها في مفترق خطر ، خاصة مع حصول تحول في الموقف الاميركي ازاءها وإحداثها تقدماً مهماً في مشروعها النووي.  وينبغي ان ينظر العقلاء في كيفية انهاء هذا الجدل بشكل يوافق مصلحة الشعب والبلاد .

 


Upgrade to Internet Explorer 8 Optimised for MSN. Download Now

ليست هناك تعليقات:

Al-Mayadeeen Feeds