الثلاثاء، 7 أبريل 2009

ماذا لو امتلك الجيش اللبناني السلاح ؟



الصحافي حسين نورالدين
يدور الحديث بوتيرة اكبر عن تسليح الجيش اللبناني ، علما ان هذا الامر لم يغب عن لسان اي من السياسيين منذ سنين. الا ان الامر بات يأخذ شكلا اخر، فالبعض يتحدث عن التسليح ويسعى للاستحصال على العتاد او السلاح (مشكورا) ، من خلفية سحب الذريعة من المقاومة اللبنانية ، ومطالبتها في مرحلة مقبلة بتسليم سلاحها الى الجيش القوي الذي بات يمتلك العتاد .
كل هذا الحديث يبقى حتى الساعة حديثا ووعود ، فهناك وعود بعشرة طائرات روسية (ميغ 35 تخلت عنها روسيا بعد تحطم عدد منها) ، ووعود بعتاد ، الا ان اي حديث لم يتطرق بشكل فعلي الى تكوين منظومة دفاعية للجيش اللبناني ، الذي بات على الحدود مع اسرائيل، الترسانة العسكرية الاكبر في المنطقة .
كانت المطالبات تتوالى يوميا لارسال الجيش اللبناني الى جبل عامل ، وكان الهدف من ذلك بالتأكيد ليس حشد الجيش على الحدود لحرب محتملة مع اسرائيل ، خصوصا ان الذي ثبت خلال العدوان الاسرائيلي عام 2006 ، هو بقاء الجيش اللبناني في ثكناته لعدم امتلاكه المعدات والاسلحة اللازمة .
تقرر بموجب القرار 1701 انتشار الجيش في كامل الجنوب حتى الحدود ، في خطوة رأى فيها البعض تعزيزا للسيادة الوطنية ، فباعتباره ان مدى القرب من الحدود مع اسرائيل هو العامل الاساس في تحقيق السيادة من عدمها .
الجيش اصلا كان يتنشر على كامل الاراضي اللبنانية حتى في مناطق جنوب نهر الليطاني ( ضمن القوة الامنية المشتركة ) ، لكن ما ارادته الولايات المتحدة واسرائيل هذه المرة هو احتكاك الجيش بالمقاومة، وما لم ترده هو تسليح الجيش اللبناني على الحدود.
بقيت كل الوعود كلام فارغ يتشدق به بعض السياسيين اللبنانيين المستغربين، حتى ان بعضهم اضحى يتعامل معه كأنه تحصيل حاصل. واضحى يعتقد ان الجيش بات بامكانه مواجهة اعتى الجيوش حتى الاسرائيلية او السورية ، وان استوجب الامر يستطيع فتح جبهة جنوبية وجبهة شرقية .
لم يتسن لهؤلاء النظر من نافذة قصورهم الفارهة في سن الفيل او الجبل لرؤية الطائرات الاسرائيلية تجوب الاجواء اللبنانية غير عابئة بكل احاديث التسليح المزعومة للجيش ، ولا آبهة بكل القرارات التي يحلو لهؤلاء ايضا ان يطلقوا عليها قرارات الشرعية الدولية.
فالشرعية الدولية في زماننا تعني التزام الدول الضعيفة بما تقرره الدول القوية سواء اكان ذلك في مصلحتها ام لا.
هي نوع حديث من الاستعمار الشرعي الذي رضيت به اغلب الانظمة تحت طائلة تلفيق تهمة حيازة اسلحة الدمار الشامل ، وغزوها استباقيا ليتكشف بعدها ان لا اسلحة دمار شامل ولا من يدمرون .
ان ما ينقص الجيش اللبناني من السلاح والعتاد هو كل شيء، حتى طائرات "الغزال" تقدمة دولة الامارات تنقصها الرشاشات ووسائل اطلاق المقذوفات وهو ما جعل هذه الطائرات مجرد عنصر استعراض خلال الحرب التي خاضها الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد شمال لبنان عام الفين وسبعة لمدة ثلاثة اشهر ، ضد بضعة من المقاتلين المتحصنين، وتكبد خلالها ثلاثمئة شهيد عسكري.
في ذلك الحين توالت التصريحات الاميركية الداعمة للجيش اللبناني والمؤكدة على امداده بالسلاح والعتاد اللازم، تبين لاحقا ان كل ما قدم من ذخائر دفع ثمنه ، فضلا عن استئجار عدد من القناصات التي لا يسمح ببقائها مع الجيش، واتى الدعم الفعلي للجيش اللبناني من الجيش السوري.
السؤال هو، ما حجم الخسائر التي يتكبدها الجيش في حال المواجهة مع اربع فرق اسرائيلية (40 الف جندي) الاحدث تجهيزا وتدريبا ، ما هي امكانيات الجندي اللبناني الذي لا يسمح له الا ببضع طلقات خلال تمارينه العسكرية مقابل جندي اسرائيلي اضحى يرمي هدفه بشكل غريزي نظرا لحجم التدريب الذي يحصل عليه.
ليس الامر للتخويف من الجندي الاسرائيلي بقدر ما هو درس موضوعي لاصحاب الاستراتيجيات الدفاعية من نواب وخبراء وجمعيات اهلية حتى ، ليس لها عهد بالميدان ولم تر السلاح الا في ايدي المرافقين الامنيين .
ما اثبته الجيش اللبناني هو عجزه عن خوض اي معركة تقليدية ، بالرغم من ان تدريبه يقوم على الحرب التقليدية ، وبالرغم من نجاح نموذج المقاومة بتبني استراتيجية حرب العصابات لم يتح للجيش اللبناني اعتمادها لعدم توافر القرار السياسي بذلك.
البعض ينطلق الى النموذج السويسري لكنه يقاربه من جانب واحد ويتناسى ان كل سويسري يملك قطعتي سلاح في منزله، وان نظام الخدمة الالزامية في الجيش السويسري لا يزال ساريا الغي في لبنان قبل اعوام وهللت له الوزيرة نايلة معوض المدافعة عن نظرية حياد لبنان وقوة لبنان في ضعفه. تجاهل هؤلاء ان الحدود السويسرية وحتى يومنا هذا مجهزة بالانفاق والمتفجرات والجسور مجهزة لوضع العبوات ضمن خطة لمنع تقدم العدو .
ترى ما الذي منع السياسيين من الايعاز بمثل هكذا استراتيجية بعيدا عن الكلام والتنظير السياسيين؟
هل هو السعي وراء اتفاقية جديدة على غرار اتفاقية السابع عشر من ايار ايام الرئيس امين الجميل ، التي تحدد عدد الجنود الافراد على الحدود ، ونوعية سلاحهم وعدد الرادارات المسموح بها .
ولننطلق الى نقطة اخرى من النقاش وهي ماذا لو امتلك الجيش اللبناني السلاح والعتاد اللازمين ، واللذين يؤهلانه للرد على اي عدوان وان لم يتحقق نصر حاسم ، فان الاعتداء على لبنان لن يكون نزهة .
هنا يذهب الحديث الى القرار السياسي ، هل هو قرار برفع الرايات البيضاء امام الدبابات ونموذج الوزير السابق احمد فتفت بتقديم الشاي للغزاة وحبس الجنود الراغبين بالمقاومة في زنازين تحت الارض ومصادرة اسلحتهم ، ام القرار هو بالمواجهة وعدم التخلي عن المسؤولية وهو ما تفعله المقاومة اللبنانية حاليا.
ماذا حول التجارب السابقة في هذا المجال؟
لم تتخذ القيادة السياسية في لبنان منذ عام 49 مع اول مجزرة ارتكبت بحق اللبنانيين في بلدة حولا اي اجراء،
ومع توالي القضم للاراضي اللبنانية ومنها القرى السبع ، كانت السلطة السياسية بعيدة كل البعد عن اي استراتيجية لها ، فما يمس هو من اطراف لبنان، والمدن تنعم بالازدهار ولبنان يروج له كوجهة سياحية.
ولم تلق نداءات الجنوبيين ومنها لزعيمهم الروحي السيد عبدالحسين شرف الدين ، اي تجاوب من السلطة السياسية الممثلة ائنذاك بالرئيس بشارة الخوري.
استمر الجنوبيون تحت رحمة الاسرائيليين حتى دعوة مؤسس حركة المحرومين السيد موسى الصدر الجنوبيين لحمل السلاح والدفاع عن انفسهم واراضيهم.
وجاء اجتياح عام 1982 والمقاومة اللبنانية في ريعانها ، واتخذ السياسيون اللبنانيون في سدة الحكم قرارا بالوقوف الى جانب الاسرائيليين للتخلص من المقاومة الفلسطينية.
والى مرحلة اخرى تظهر طريقة التعاطي الرسمي في قضية الدفاع عن لبنان. بعد انتهاء عدوان عام ستة وتسعين انطلق الرئيس الراحل رفيق الحريري للقول ان المقاومة ضربت الاقتصاد اللبناني، فبحسبه ان الاقتصاد اهم من دماء المئات من الشهداء ، وقرار التصدي بعيد عما يدور في خاطره، ومن هنا نسجت الاساطير حول المعركة السياسية لحكومة الحريري وتفاهم نيسان، وهو الامر الذي يحتاج الى تدقيق عميق .
هذه هي لمحة بسيطة ، قد يخال للبعض انها سطحية، عن القرار الرسمي الفعلي بعيدا عن التصريحات المتتالية الداعمة والشاجبة والمنددة والمدافعة .
نعود الى احتمال امتلاك الجيش اللبناني لمنظومة دفاعية ، والقرار الرسمي حيال ذلك .
ان القرار الرسمي حيال خروق الطائرات الاسرائيلية هو عدم الرد بأي شكل من الاشكال وممارسة اقصى درجات ضبط النفس بحسب ما يطلق عليه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة.
ان القرار هو بوضع عدد من الجنود في برج المراقبة بمطار بيروت الدولي لرصد حركة الطائرات القادمة من الجنوب فكل هذه الطائرات يطلق عليها معادية ، ليصدر بعد ذلك بيان عن الجيش اللبناني بالعدد والساعة ومسار الطائرات المخترقة ، بحيث تحولت هذه العملية الى مهمة روتينية لا معنى لها .
اما الخروق البرية فلا مشكلة فيها طالما لا تتعدى حدود عشرات الامتار ، فالجانب الاسرائيلي لديه بعض الاشغال التي لا تتم الا من الجانب اللبناني والحجة مقبولة لدى البعض. اما توجيه مياه السيول او المياه الاسنة الى الاراضي اللبنانية فالتعاطي معه امر متروك للمزارعين لكن باقصى درجات ضبط النفس. اما احتلال قرية الغجر ومزارع شبعا فيمكن التغاضي عنه فهذه الاراضي باعتراف اللبنانيين لبنانية لكنها لا تعني الكثير فهي على الحدود وبعيدة ، ولا ضير في كف شر اسرائيل ببضع هكتارات من الاراضي.
ان التوجه السائد في لبنان لدى القوى السياسية المناهضة للمقاومة هو نحو العودة الى ما يطلق عليه اتفاقية الهدنة لعام 1949 وهي التي تعزل لبنان عن محيطه وتنسى كل الاكلاف الانسانية والمادية والمعنوية التي تعرض لها منذ ذلك الزمن . انه توجه نحو الاستسلام والتخلي عن كل نقاط القوة لاهداف غريبة، فلا تريد هذه القوى لا ان تقاوم ولا ان تترك المقاومة ولا ان تبتعد عن الدرب.
انه السلوك الملتبس للرئيس السنيورة وفريقه المؤيد اللذين يستحضران المقاومة حين توجد ضرورة للاستقطاب في ذلك ، ولكن في الوقت عينه يرفضان المقاومة ويعتبرانها مغامرة ويدعوان الى العودة لاتفاقية الهدنة .
ان امتلاك الجيش اللبناني لكل المقدرات في ظل قرار سياسي او فئة سياسية تعارض فعلا اي منطق مقاوم وتتجه سراعا نحو اي تسوية ممكنة حتى على حساب لبنان ، هو امر لن يغير في واقع الحال شيئا سوى مزيد من الضغط على المقاومة والقوى السياسية المناهضة لاسرائيل، فليس هناك من خوف من الجيش بقدر ما هو خوف وتوجس من نيات بعض الجهات استعادة تحالفاتها السابقة لاستقواء في الداخل اللبناني. ولهذا فان تسليح الجيش مرحب به ضمن اي اطار يكفل السيادة اللبنانية ، فالجيش قوي بوجود القرار السياسي القوي الداعم والواضح ، اما في ظل التباس المواقف وحالة الاستسلام فان كل اسلحة العالم ستكون خردة في يد الجيش اللبناني.


























ليست هناك تعليقات:

Al-Mayadeeen Feeds