الخميس، 16 أبريل 2009

مجتمعات الجهل البناء، بين التقاليد ونضوب النفط



الصحافي حسين نورالدين
لطالما كانت فكرة المحافظة على الاشياء القديمة السمة التي طبعت كل الشعوب الحديثة ، والدليل على ذلك ان بلدا من البلدان لا يخلو من متحف وطني يحفظ مراحل تاريخه.
لكن ما يثير الفضول وخصوصا في منطقة الجزيرة العربية ، هو الكلام الذي لا يوجد له اساس عن الحفاظ على العادات والتقاليد وتراث الاجداد.
ان هذه العبارة التي تتردد على لسان غير شخص ومتكلم ومواطن ، فيها من التحدي لاي شخص عربي الكثير . فهل يستطيع اي شخص قد تلتقيه في الشارع وتسأله عن العادات والتقاليد والتراث الموروث ان يحدد لك بدقة ما هي هذه المصطلحات .ليس من ناحية انتماء الاخيرة الى اللغة العربية ولكن الى الممارسة الواقعية التي توضع ضمنها هذه المصطلحات.
ان ترديد الرومان لمقولة التقاليد والتراث والعادات لا شك يرتبط بمدى تطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعلمية في روما ، فقناة جر المياه التي تمد روما بحاجاتها انجاز ضخم في ذلك الماضي البعيد يبين ان تلك الشعوب سعت الى العلم بما مكنها من انشاء دولة يفتخر بها المنتمون اليها .
وكذلك هو الحال بالنسبة الى اليونان ابرع من تحدث بالفلسفة وابرع من قدم في مجال الرياضيات.
ان محافظة الصين على تراثها وعاداتها واضح فهي وان دخلت في الحداثة فانها طوعتها لتكون صينية، لا ان تكون نتيجة يتعاطى معها فقط . فالصينيون لهم تقويمهم ولهم صناعاتهم ولهم طبهم الذي يغزو العالم باسم الطب الطبيعي.
ان افتخار الالمان بما عندها لا شك له اصل في صناعات هذا الشعب الذي غدا الامة الصناعية الاولى الذي توازي كلمة منتج الماني كل معاني القوة والمتانة.
لن اطيل الحديث حتى اذكر كل الامم ومنها البريطانية والفرنسية والفارسية والتركية التي يكفي لها (من منظورها) الافتخار بانها حكمت اقاليم مختلفة من العالم ودانت لها شعوب وملوك.
ونعود الى سالف الحديث ، ان اجابة اي عربي في الجزيرة عن العادات والتراث والتقاليد لن يتعد اطار الابهام ، فالنموذج الذي يسيطر في هذه البلدان عن المصطلحات الثلاثة هو الذي يتحدث فقط عن بضعة مواضيع نمطية عف عليها الزمن .
فالخيل المسومة وركوبها وان غابت الخيل عن يوميات العربي الا من القصص التاريخية ، هي مرتع خصب للتعبير عن العادات والتراث والتقاليد طبعا بعد انتهاء مفاجأة السؤال . لا ادري ان كان العرب هم الشعب الوحيد الذي ركب الخيل وامتلكها ، وان كانت شعوب العالم بأسره بالتأكيد تمتلك الخيل وتؤصله.
الموضوع الاخر للرد النمطي هو التعلق بالحياة في البر ( الصحراء) وحب التوجه اليها في ايام العطل الاسبوعية او السنوية او في مواسم كما يحصل في المخيمات. وبالرغم من ان حياة البداوة هي موضع سخرية لبعض من تحضر الا انه يصر على التمسك بالعادات والتقاليد والتراث ولا يجد لذلك مكانا في ذاكرته الا في ما ينتقده من بداوة وحياة في الصحراء .
والى طرق الزواج التي لا تزال سارية في بلدان جزيرة العرب ، فهي تقوم على عادات تافهة من ارتباط شاب وفتاة بناء على الخطابة التي ترى الفتاة دون ان يراها زوجها المستقبلي ، فاذا تفاجأ بها او تفاجأت به صار الصدام ، او استعرت الخيانات الزوجية الخفية . فالعادات بحسب هؤلاء وطبعا هي ليست من العادات والتقاليد والتراث من بشيء، تقتضي ان لا تكشف المرأة امام الرجل وان تتم المصاهرة بحسب العائلات.
ما هي العادات والتقاليد والتراث في جزيرة العرب ؟
لا يوجد لهذه المصطلحات اي واقعية الا اذا اردنا ربطها فقط بالخيل والعطر العربي وحياة البداوة ، ومجتمعات الدواوين الثرثرية . تغيب عن الجزيرة كل الصناعات اليدوية التي تعطي طابعا خاصا لكل منطقة ، ولتقريب الصورة وعلى سبيل المثال عندما نذكر سويسرا اول ما يتبادر الى الذهن صناعة الساعات اليدوية القديمة الحديثة، واذا ذكرنا اليابان تبادر الى الذهن الصناعات الالكترونية وتاريخيا الساموراي وعيد الزهور وغيرها. اما اذا ذكرنا فرنسا فبالتأكيد سيتبادر الى الذهن صناعة العطور وعندما نذكر بلاد فارس نحس بدفء السجاد العجمي الذي نرغب باقتنائه. لكن ما الذي يتبادر الى الذهن اذا ما ذكرنا دول جزيرة العرب.
بالتأكيد انه النفط وفقط النفط فليس في الماضي اي اثار لدولة متمدنة قامت او لحضارة بعد وفاة الرسول الاكرم . فقد عاش عرب الجزيرة حياة بداوة على عكس عرب بلاد الشام وعرب العراق الذين دخلوا المدنية سابقا وطوروا اساليب عيشهم وصناعاتهم وتواصلوا مع البلدان الاخرى .
تعيش مجتمعات الجزيرة العربية اليوم انفصاما في الشخصية فهي مجتمعات استهلاكية بامتياز ، تعتمد على اموال النفط لشراء كل حاجاتها ، وقد عمل توزيع الثروة على استغناء العديد منهم عن الانتاج ، فاسلوب الدولة الراعية والحاضنة يمنع بروز اي نشاطات فكرية او حرفية او صناعية.
ومن هنا اذا ارادت هذه المجتمعات التنقل اشترت سيارات اليابان والولايات المتحدة ، واذا ارادت الاكل اشترت كل حاجاتها واستوردت القطعان البقر والاغنام والماعز، واذا ارادت التزين استوردت الذهب، واذا ارادت التعطر لجأت الى اسواق باريس وبلجيكا.
هل فكر احد في حال العرب في المشاكل التي قد تنشأ لو ان الخادمات الاسيويات والافريقيات قررن العزوف عن العمل في منازل اهل الخليج ؟
قد تبدو الفكرة ساذجة لكن لها من العمق ما يجعلها جديرة بالدراسة. فالترف المادي خلق طبقة من النساء تتنافس على اقتناء الخدم ، وتتنافس في عدم العمل ، وتتنافس على ارتياد صالونات الثرثرة ، او في احسن الاحوال التوجه الى الوظيفة لزيادة البطالة المقنعة.
هل فكر احد في حال المجتمعات الخليجية لو رفعت الدول الاجراءات الحمائية عن المواطنين وفرضت قوانين الفرص المتساوية بالوظائف لكل الناس . هل فكر احد في الحالة لو استغنت الشركات عن الكفلاء من المواطنين واستغنت عن العمالة الخليجية التي توظفها لمجرد الاستجابة لمتطلب قانون "دول الامومة" .
هل فكر احد بحال عرب الجزيرة لو نضب النفط . هل فكر احد بأن لا قيمة لا سياسية ولا اجتماعية ولا انسانية لهذه الكتلة البشرية التي تأتي وتذهب دون ان تغير اي شيء في محيطها. هل من الممكن ان نرجع الى عهد الدواب في حال نضب النفط ، ولكننا لن نجد الدواب ولن نعرف قيادتها حتى ولو استوردناها في ذلك الوقت. هل يعرف ذلك العربي الذي يذهب خاملا الى عمله ويعود للسهر على الشيشة انه لا يمثل اي مثقال في ميزان حسابات الامم في حال نضب النفط .
ان هذه الافتراضات ليس من باب التحامل على عرب الجزيرة والتفريق بينهم وبين غيرهم من العرب وشعوب المنطقة ولكن الدلائل التاريخية تشير الى ذلك فقبل اكتشاف النفط كانت هذه المناطق مجرد صحراء قاحلة تتناوشها الاحقاد القبلية وتسيطر عليها عقليات التسلط والمنافسة العشائرية . كانت المنطقة مجرد مناطق صغيرة من العمران تلفها خيم الشعر. وتجوب العشائر فيها المناطق المختلفة للجزيرة سعيا وراء الرعي .
لم تستطع شعوب هذه المنطقة طوال الفترة الماضية بناء واحة مدينية وتطوريها على غرار دمشق وبغداد العربيتان وعلى غرار طهران وانقرة المجاورتين. لم تستطع هذه الشعوب اضافة الكثير الى مسيرة الانسانية العلمية ، على عكس ما حصل في النهضات العلمية في مصر وبلاد الشام والعراق.
ان دواوين الشعر غير المقفى والمكسور لبعض المستشعرين من العائلات الحاكمة لن تلقى اذانا ولن يقبل اي دار ادبي ان يطبعها ويروجها كما يحصل الان ولن تقام المسابقات التافهة وتفرد لها المساحات الاعلانية والاعلامية على القنوات الفضائية عندما ينضب النفط . لن نضطر لحضور العرضات بالسيف لان القنوات العربية لن تملك المقدرات المادية لنقلها على الهواء وامتاع الجمهور العربي بها. لن يدخل علي جاهل بعد اليوم الى مكتبك في الدور العاشر من المبنى وهو لا زال يلبس نظارة الراي بان على وجهه فقط للتمظهر. لن تضطر العمالة الهندية والبنغالية والباكستانية من تحمل ذل التعامل معها ولن تضطر في ذلك الوقت لتحمل شمس الصيف القاهرة لزرع بعض الشتول التي تشبع غزيزة ذاك العربي الذي يلعب بسبحته ليلا نهارا تحت هواء المكيفات اليابانية . وما حاجة هؤلاء ان ياتوا الى هنا.
لن تضطر بعد اليوم لسماع التصريحات العظيمة بان العرب فتحوا الاندلس ولكنهم لم يستطيعوا ان ينشروا الاسلام فيه ولم يبق فيه مسلم .
لن تضطر في ذلك اليوم لسماع ابواق المواكب الشخصية للزعماء وهي تنهرك بان تبتعد عن الطريق ، لن تضطر ان ترى اي من اولاد اولاد الحكام وهم يتحدثون عن الفنون وركوب الخيل ، وانت ترى بطونهم البرميلية امامهم .
لن تسمع في ذلك الوقت عن مبادرة سلام لا تساوي الورق الذي كتبت عليه ، يروج لها لدى العدو الذي لا يقبلها ويبقى الترويج ويبقى الترويج .
بالتأكيد سترتاح لان الققم العربية لن تعقد لتقادم اساطيل الطائرات ، لن تبث الفضائيات الفتنة لانها ستعجز عن دفع ديونها للاقمار الصناعية ، سترتاح من سماع ترهات خلافات الزعماء واتفاقهم.
باعتقادي يمكنك منذ الان ان تستغني عن السكسوكة لان النفط سينضب بالتأكيد، ولتنسى مصطلحات العادات والتقاليد والتراث في بلاد لم تصنع من العادات والتقاليد والتراث شيئا ولنقرأ كتاب الف ليلة وليلة مجهول المؤلف علنا نجد مارد العلم داخل القمقم المرمي في سجون العتم العربية .

ليست هناك تعليقات:

Al-Mayadeeen Feeds