
علي هاشم ـ طهران
من الوسط، حمل رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني العصا، ومضى يشق طريقه في خطبة الجمعة في طهران، بين المختلفين تحت مظلة واحدة، طارحاً ما يشبه «خطة طريق» لتجاوز «الأزمة» و«إعادة الثقة بالنظام».
تقدم رفسنجاني للمرة الاولى منذ حوالى شهرين، الحضور في جامعة طهران، وخطب فيهم. قال ما قاله بذكاء ودهاء. ضرب حيناً على الحافر، وحينا آخر على المسمار. خطب ود المعترضين حيناً، وود النظام، حيناً آخر. لكنه، بالدرجة الأولى، صوب النقاش، وأكد ان الجميع يتحرك تحت مظلة الثورة.
في الشكل، كان الرجل واضحاً وصريحاً بحق النظام، الذي هو أحد مؤسسيه الأساسيين. فدعا الى إطلاق سراح المعتقلين الذين أوقفوا خلال الاضطرابات التي تلت الانتخابات الرئاسية، وتخفيف القيود المفروضة على الإعلام. لكنه في المضمون، بدا وكأنه ينصح باحتضان المتضررين واسترضائهم، جمهوراً كانوا، أم سياسيين.
ولعل ابرز ما حمله الرئيس السابق امام الحشد الكبير من المصلين، الذي ضم المرشحين الخاسرين في الانتخابات مير حسين موسوي ومهدي كروبي والرئيس السابق محمد خاتمي، ما وصفها هو بـ«حزمة المقترحات» لحلحلة الوضع السياسي. وقال إنه قدم مقترحات الى مجلس صيانة الدستور ومجمع تشخيص مصلحة النظام، بعدما اعتبر انه «لا داعي لمجيء الآخرين من اماكن بعيدة وخارج البلاد ليقدموا وصفات لحل مشاكلنا».
وأوضح رفسنجاني، رئيس مجلس خبراء القيادة، ان «الهدف الاول هو إعادة بناء ثقة الشعب التي تضررت الى حد ما، والعمل في إطار القانون، وأن يكون الحوار بين مختلف الأطراف مستنداً الى المنطق، وإطلاق سراح المعتقلين، ونشر التسامح، وتحمل الرأي الآخر، وإجراء المناظرات الحرة في الإذاعة والتلفزيون، وأن يكون القانون معيار عمل وسائل الإعلام لإيجاد أجواء مستقرة وحرة للانتقاد»، داعياً الى «تخفيف القيود على الصحافة».
وأضاف رفسنجاني أن «عدداً كبيراً من حكماء البلاد قالوا إن لديهم شكوكا» حيال نتائج الانتخابات «وعلينا إذاً ان نعمل من اجل الرد على شكوكهم». وتابع «نحن اليوم بحاجة اكثر من اي وقت مضى الى الوحدة.. اولئك الذين أصيبوا في الحوادث بحاجة الى التعويض عليهم. علينا تعزية المحزونين وتقريب قلوبهم» من النظام. وأكد ايضاً على «ضرورة احترام مراجع الدين باعتبارهم سنداً للنظام».
ولفت الرئيس السابق الى أن «الإمام الخميني الراحل اكد منذ بداية نهضته قبل ستين عاماً، الاعتــماد على الشــعب للقيام
بالثورة الاسلامية، ورفض العمل المسلح واستخدام السلاح والاغتيالات والتعاون مع حزب ما.. وشدد بعد انتصار الثورة على ان الحكومة الاسلامية لا تقام الا من خلال مشاركة الشعب». وبينما اعتبر ان «اعضاء أي من التيارات لا يرضى بما حدث لأن الجميع تضرر»، حذر «من جعل الأعداء يشمتون بنا ويحيكون لنا الدسائس.. ينبغي ان يتحمل بعضنا بعضاً، وعلى الجميع ان يتقيدوا بالدستور في حلّ خلافاتهم، سواء شاؤوا ذلك أم أبوا».
وصارح رفسنجاني الإيرانيين قائلاً إنه «يا ليت كانت الظروف السائدة ايام الانتخابات تستمر الى اليوم، عندها كان باستطاعتنا حالياً ان نكون في افضل الظروف في العالم مهما تكن نتائج الانتخابات، ولكن ذلك لم يحدث كما أردنا». واعتبر انه «لو لم تحدث المشاكل، لكانت هذه الانتخابات طيلة ثلاثين عاماً من عمر الثورة، افضل وأكبر خطوة كبرى لإقامة المجتمع الاسلامي»، معرباً عن أمله في ان تكون خطبته «منطلقاً للتغيير في المستقبل وعبور الازمة الحالية لإعادة أجواء الوفاق والتعاضد والتضامن».
بعض المحللين أشاروا في دردشة مع «السفير» إلى «أهمية» كلام رفسنجاني، لكنهم أكدوا أن «الأهم» من الذي قيل هو أن يكون منسقاً بين رفسنجاني وخامنئي بحيث يكون الكلام مقدمة للفعل وبذلك تخرج البلاد نهائياً من الأزمة.
وقد علق النائب المحافظ في مجلس الشورى ناصر السوداني، على كلام رفسنجاني بوصفه بـ«العبقري»، مشيراً إلى ان الرئيس السابق، وهو من الرعيل الأول للثورة، قدم في خطبته ما يشبه «خريطة الطريق»، و«كشف المخططات الأجنبية والأيادي الخارجية التي عملت على بث الفرقة والفوضى في الشارع».
بدوره، اعتبر الكاتب الإصلاحي ما شاء الله شمس الواعظين في حديث مع «السفير»، ان رفسنجاني «قائد وطني كبير»، مشيراً إلى أنه «وللمرة الأولى، ارتضى لنفسه الخروج من دائرة الهمس في مؤسسات النظام إلى التعبير علناً عما في داخله».
الى ذلك، ذكرت قناة «العالم» الإيرانية ان صداماً وقع بين أنصار نجاد وآخرين من مناصري موسوي في أحد الأزقة عقب انتهاء صلاة الجمعة، وقد استخدمت قوات مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع لإنهاء النزاع. وكان آية الله مكارم شيرازي، أحد المراجع في قم، دعا في وقت سابق المشاركين في الصلاة الى «عدم تسميم صلاة الجمعة الموحدة بشعارات تثير الفرقة».
وقد انتشر الآلاف من أنصار موسوي في الحرم الجامعي وحوله وقد لفوا معاصمهم برباطات خضراء، وهو اللون الذي اتخذه موسوي رمزاً لحملته. وكان يمكن سماع أصوات الحشود وهي تهتف «موسوي.. موسوي.. نحن نؤيدك» مقاطعين لفترة وجيزة خطبة الجمعة قبل أن يطلب منهم الهدوء، بينما ذكر موقع حزب «اعتماد ملي» بزعامة مهدي كروبي، أن رجالاً باللباس المدني اعتدوا على المرشح الخاسر أثناء توجهه لأداء الصلاة».
واثر الصلاة، تظاهر مناصرو موسوي مرددين شعارات مؤيدة للمرشح الخاسر ومطلقين هتافات التكبير. وأكد شهود عيان أن أعداداً كبيرة من الشرطة انتشرت في المكان، واستخدمت الأعيرة المطاطية لتفريق التظاهرة و«اعتقلت كثيرين».
ورحبت واشنطن بدعوة رفسنجاني لرفع القيود المفروضة على وسائل الإعلام. كما أعلنت وزارة الخارجية «نحن مستمرون في مراقبة ما يحصل في إيران، لكن ليست الولايات المتحدة هي التي تقرّر. هذا نقاش وخلافات تحصل في إيران».
في هذا الوقت، أعلن نجاد تعيينين مهمين، تناول احدهما منصب رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية الذي اسند الى علي اكبر صالحي، السفير السابق لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي، مؤكداً بذلك عزمه على التغيير في حكومته. كما اعلن تعيين اسفنديار رحيم مشائي نائباً أول للرئيس بدل برويز داودي، الذي بات مستشاراً للرئيس. ومشائي شخصية مقربة من نجاد، وكان يشغل منصب نائب الرئيس للشؤون السياحية، وقد حل في منصبه حميد بقائي.
Share your memories online with anyone you want. Learn more.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق