الاثنين، 15 نوفمبر 2010

رفيق الحريري أضحية 1559





لم يكن  خافيا على احد حجم العلاقات التي كان يتمتع بها الرئيس الراحل رفيق الحريري خارج حدود لبنان، اخطبوط بكل ما للكلمة معنى، والقصة هنا ليست أرقام ومعارف، إنما علاقات نوعية حولت الرجل في كثير من الاحيان إلى وسيط بين زعماء، وحامل رسائل، لا بل في قمة اوجه قبل عيد العشاق القاتل، ظن نفسه شريكا في لعبة شطرنج الأمم، ليكتشف متأخرا انه لم يكن سوى بيدقا قدم أضحية على رقعة الموت تلك.
لم يكن الحريري غبيا، لا بالمرة، لكنه كان أصغر من اللعبة التي دخل فيها، فلا يمكنك ان تدخل وسيطا، او عرابا، إذا ما صح التعبير، لإصلاح العلاقات الأميركية الفرنسية في أوج إختلاف ما بعد حرب العراق، وتبقى خارج تداعيات هكذا علاقة، وهكذا إتفاق، وهكذا مؤامرة، مع ذلك ترفع للراحل القبعة، إذ أنه إستطاع بذكائه، ان يجمع بين فرنسا وأميركا بعدما فرقتهم الحرب، والمحفز فكرة 1559، التي سمحت لجاك شيراك بتقديم أوراق إعتماده لبوش، وفي هذا الإطار يقول الرئيس الأميركي في مذكراته:
" لم نتفق انا وجاك شيراك على كثير من الأمور، كان يعارض الإطاحة بصدام حسين، ووصف عرفات بالرجل الشجاع، حتى انه في إحدى المرات قال ان اوكرانيا جزء من روسيا.
كان من المفاجئ ان نجد مساحة مشتركة بيننا، كان ذلك خلال إجتماع بيننا في باريس في حزيران 2004. بدأ حينها شيراك بالحديث عن الديمقراطية في الشرق الأوسط، حاولت مقاطعته، لكنه تابع الحديث فقال ان في المنطقة ديموقراطيتين، إسرائيل القوية، ولبنان الضعيف، ولم يذكر العراق.
وصف لي معاناة لبنان تحت الإحتلال السوري التي كانت تنشر عشرات الألاف من جنودها على إمتداد البلاد، وكيف كانت تنهب أرزاق اللبنانيين وتحولها إلى دمشق، واكد هنا اهمية توسعة اجندة الديمقراطية في المنطقة. ببساطة إقترح علي ان نتعاون على إخراج سوريا من لبنان، وافقت مباشرة، وقررنا البحث عن فرصة لإستصدار قرار دولي بذلك".
هكذا إنتهى كلام بوش في هذه الفقرة، لكن للكلام تتمة في كتاب فينسنت نوزيل، الذي يتوقف مليا عند هذه النقطة، اي لقاء حزيران هذا المذكور في كتاب بوش، حيث يقول انه كان لقاء «المصالحة» بين بوش وشيراك بعد قطيعة حرب العراق، مصالحة ارتكزت بشكل أساسي على الملف اللبناني السوري، بمبادرة وإلحاح من شيراك الذي تجنب كل ما يزعج بوش فمثلاً لم يشر إلى فضائح سجن أبو غريب التي كانت حديثة آنذاك، وفضل العمل يداً بيد مع إدارة بوش على صياغة القرار 1559. ويذكر نوزيل أن شيراك انتهز فرصة حديث الأميركيين عن «دمقرطة الشرق الأوسط»، وقال لبوش خلال العشاء:
 «هناك انتخابات رئاسية في لبنان في شهر تشرين الأول وستكون انطلاقة جدية للبنان إذا أصبح رئيسه من دون وصاية سورية، وربما يسعى السوريون لإعادة انتخاب الرئيس الحالي إميل لحود عبر تعديل الدستور وقد توقفنا باهتمام عند تصريحات (وزير الخارجية الأميركي) كولن باول والدكتورة (كونداليزا) رايس (مستشارة بوش للأمن القومي)، حول ضرورة إجراء انتخابات حرة دون أي تدخل خارجي وأيضاً تبني الولايات المتحدة عقوبات (ضد سورية)، ترمي إلى انسحاب سورية من لبنان، لنعمل معاً». ورد بوش «لم لا؟».
ويذكر نوزيل في كتابه تنقل مبعوث شيراك موريس جوردو مونتانيو بين واشنطن حيث كان يلتقي وزيرة الخارجية الأميركية رايس وعدد من المسؤولين، " قبل الانتقال الى سردينيا حيث يمضي رفيق الحريري اجازته الصيفية، وهناك تمت قراءة مشروع القرار 1559 بامعان شديد على يخت الحريري الذي لم يخف غضبه الشديد من السوريين بسبب تعديل الدستور للسماح لحليفهم اميل لحود بتمديد ولايته الرئاسية 3 سنوات"
إذا الحريري كان لاعبا أساسيا في لعبة 1559، لا بل المحرض عليه، لكن للقصة بقية، والبقية ان القرار لم يكن له من امل ان ينفذ بسبب ظروف المنطقة، وظروف سوريا، وظروف إيران، وظروف حزب الله، وكل الظروف المحيطة، فكان لا بد له من صدمة تفرضه على المنطقة، كأمر واقع، فكان جسر تلك الصدمة إغتيال رفيق الحريري، الذي يمكن القول انه قاد نفسه برجليه إلى هذه النهاية، لانه كان في قلب لعبه اطرافها دول كأميركا وفرنسا من جهة وإيران وسوريا من جهة ثانية، الحلقة الأضعف، فكان لا بد لحلفائه على الجبهة الغربية من تقديمه أضحية على مذبح ال 1559، فكان بلا شك، بطل عملية إنتحارية سياسية، ربح بها تنفيذ جزء من القرار، وخسر حياته.


ليست هناك تعليقات:

Al-Mayadeeen Feeds