الجمعة، 5 نوفمبر 2010

السنة والشيعة.. ومسيحيو المشرق


واصف عواضة
ليست مجزرة كنيسة «سيدة النجاة» في بغداد الا فصلا من فصول عملية الابادة والالغاء التي يتعرض لها مسيحيو المشرق, والذين تناقص عددهم في العراق منذ الغزو الاميركي لهذا البلد, من مليون ونصف المليون نسمة الى أقل من اربعمئة ألف. ويطرح هذا الواقع سؤالا ملحا على أهل هذه المنطقة بطوائفهم وأعراقهم كافة: من هو صاحب المصلحة في إلغاء الوجود المسيحي في المشرق؟ 
لقد جاءت الجحافل الاميركية الى العراق عام 2003 تحت شعارين ثبُت زيفهما: الاسلحة المحرمة التي لم يعثر لها على أثر, ونشر الديموقراطية التي تحولت الى حمامات دم, وعمليات تهجير طالت المسيحيين الذين حاولوا جهدهم تجنب الصراع المروَّج له بين السنة والشيعة, والذي يُدرجه بعض المحللين في إطار «حرب المئة عام» التي بشر بها هنري كيسينجر ذات يوم في حاضرة الفاتيكان. 
ويبدو من باب الفولكلور السياسي طرح السؤال على الولايات المتحدة «لماذا لم تعمل على حماية مسيحيي العراق؟». فالقوات الاميركية التي لم تستطع حماية نفسها في بلاد الرافدين, وبدأت الانسحاب تجر وراءها أذيال الخيبة، ليس من المنطق مطالبتها بحماية الآخرين. لكن هذا الأمر لا يبدل من واقع الامور شيئا, حيث الهجرة المسيحية من الشرق متواصلة, ومن كل بلدانه, وهو ما تتوقف عنده الهيئات الكنسية في أكثر من مناسبة, ولكن من دون التوصل الى إجراءات تنفيذية تحدّ من هذه الهجرة. 
ويخشى بعض المحللين من ان يؤدي إفراغ المنطقة من المسيحيين الى واقع جديد يعيدها مئات السنين الى الوراء, ويحيي بالتالي أفكارا مضى عليها الزمن, تقول بضرورة شن حرب صليبية جديدة, في ظل تنامي الحركات الاصولية المسيحية في الغرب الاوروبي والاميركي والتي بدأ بعضها يركب السلطة في بعض البلدان. ولعله من نوافل القول ان «الحروب المقدسة» هي أخطر الحروب وأكثرها شراسة. فهل يتقمص صلاح الدين الايوبي وريكاردوس قلب الاسد مجددا في هذه المنطقة؟ ومن هو صاحب المصلحة في ذلك؟ 
بالتأكيد ليس المسلمون هم المستفيد من هذا الواقع. ولا يشكل المسيحيون في الشرق بالتالي عنصر خطورة على المسلمين بفروعهم كافة, معتدلين وأصوليين وسلفيين ومتطرفين. وهذا ما يطرح الشك في أن يكون «تنظيم القاعدة» راغبا في تهجير المسيحيين أو إلغائهم في بلاد الاسلام. 
ولعل أغرب ما في هذا الواقع, المعادلة الآتية: «يتقاتل السنة والشيعة, فيُباد المسيحيون في الطريق. يتفق السنة والشيعة فيُلغى المسيحيون من المعادلة السياسية». وعليه فإن من يغذي الفتنة أو الحرب بين السنة والشيعة هو أول المستفيدين من تهجير المسيحيين. وتنطبق هذه المعادلة على الواقع اللبناني الذي يشهد فصلا من فصول الصراع القائم في المنطقة, ويفترض أن تكون عبرة لبعض الواهمين في الداخل, الذين يعتقدون أن الفتنة الســنية الشيعية في لبــنان تخــدم المسيحيين فيه. فالصراع بين المسلمين في لبنان سيفتح الباب واسعا أمام هجرة المزيد من المسيحيين, وبالتالي فإن أي تسوية ناجمة عن هذا الصراع سوف تكون على حساب المسيحيين. 
من هنا يستحق الواقع المسيحي في المشرق قمة إسلامية مشرقية تخرج بقرارات حاسمة تحمي الوجود المسيحي, مثلما يتطلب الوضع في لبنان دوراً مسيحياً عاجلاً لتحقيق تفاهم سلمي بين السنة والشيعة, يحفظ للمسيحيين موقعهم المتلاشي شيئا فشيئا بكل أسف. وليس أولى من بكركي للقيام بهذا الدور الوطني الجامع, ليس من أجل المسلمين, بل من أجل المسيحيين أولا وآخرا.

ليست هناك تعليقات:

Al-Mayadeeen Feeds